مثاقفة .. مع خريجي مدرسة البروليتاريا .. تطامنوا قليلا عندما تتحدثون عن الله ..
الدين دينونة . والدينونة خضوع لله . الله هو الذي يحدد للمخلوق مكانته ومكانه ودوره في الكون . الله هو خالق الخلق ، مالك الأمر ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ )
من حق الإنسان أن يختار بين الكفر والإيمان ، وهذا الاختيار هو سر التكليف وجوهر الاختبار . ومن الاضطراب أن يدعي الإيمان ، ثم يقول : لي ما على الأرض ، ولله ما في السماء !!
هذا ليس هجوما على أحد ؛ بل هو مجرد تحديد لموقف ، وتوصيف لحالة منتشرة ، ولواقع عقلي أو نفسي مترد ، توصيف لحال قائم في واقع بعض الناس ، ومتردد منتشر في خطابهم ، وهم يهرفون في عوالم الفكر والثقافة والسياسة والاجتماع ، بكلام مختلط : سمك .. لبن .. تمر هندي ..
أفليس عجيبا أن يدعي المخلوق الحكم على الخالق ؟! ربما لو كان لي أو لك من الأمر شيء، لأعدنا تصوير أنفسنا وتجميل خلقتنا الظاهرة ، وهو الخالق يذكرنا ( فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ ) !! ألزمنا صورنا الظاهرة ، وكلفنا تحسين وتجميل صورنا الباطنة ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )
قول الإنسان المدعي: هذا لله وهذا لنا أو لي ، لا يعني أنه جعل نفسه لله ندا فقط ، بل يعني فيما يعنيه، أنه جعل نفسه الند الأعلى الحاكم والمسيطر . وجعل الله جل الله ، في مقام الذي تحدد صلاحيته ، ويرسم له حدود سلطانه !!
هذا المستعلي عن جهل أو عن كبر وغرور ، يسلُّ نفسه من كل الانتماءات العقلية والدينية والاجتماعية ، ثم يتساءل لماذا ينبذونني ؟! وهو الذي نبذ عقله الأولي أولا ، ثم نبذ قومه ومجتمعه وثقافته ويظل متهما لكل من حوله . الرسول النبي الكريم يقول : جئت لأكمل .. وهذا يقول : كل ما عندكم فاسد وقد جئت لأدمر وأبدل ..
من المفيد أن نذكر أن كثيرا من هؤلاء الذين يظلون يمخضون ماء الاستعلاء ، بكلام لا إتاء له ؛ أنهم كانوا بالأمس تلاميذ صغار في مدرسة البروليتاريا الماركسية بكل ما كان فيها من ومن ..
وهؤلاء الذين ظلوا نحوا من سبعة عقود يتعبدون في محراب فلسفة ، لم تثبت أمام سطوع شمس الحقيقة عقدا من الزمان ، لتثبت أنها كانت فلسفة سلطوية أكثر منها حقائق فكرية ، تدفع أو تقود حركة التاريخ إلى جنة الأرض الموعودة ، أو إلى نهاية التاريخ التي تنتحر فيها الملكية الفردية ، والتي يُصرع فيها رأس المال ..
وحين تحول هؤلاء من محرابهم الأول إلى محراب ليبرالية هلامية رخوة تغير في موقفهم الكثير ، غير عداوتهم لذاتهم الكونية والثقافية ، بل تراهم يزدادون شراسة كلما ازدادت الحملة ، التي كانوا يصفونها بالإمبريالية، على الإسلام شراسة وعنفا .
في " ليلة القبض على فاطمة " يصبح كل الأدعياء رجالا !! كل شيء في فقه مدرسة البروليتاريا تغير إلا العداء للإسلام والمسلمين .
في هذا تغيرت فقط عواصم الولاء !!
أيها المنسيون ...
أيها المنسيون على أرصفة الزمان
أيها الراتعون على دمن المتسلطين الأقوياء
قوة الحق أكثر نصوعا من كل ما تحاولون أن تزيفوا بطلاسم الكلمات
أيها المنسيون
لن تنفعكم كثيرا أجهزة التنفس الاصطناعي ، ولا عمليات نقل الدم ، ولا كل الأضواء أو محاولات التسلط على العقول والقلوب في ليالي الظلمة العمياء ..
أيها المنسيون في عتمات الزمان العميقة
هل تعتقدون انه سيكون هناك على المستوى الجماهيري من يسمع بكم ، أو يبالي بما تقولون أو تبيتون أو تمكرون ؛ او بكل هذه الزعامات التي يتأبطها هؤلاء المتأبطون ..
نيرون مات ولم تمت روما ، اندثرت محاكم التفتيش وبقيت العقول والقلوب والعقائد والأفكار ، انتحر هتلر وبقي ضحايا المحرقة ،
وكذا سيبقى على الأرض كل جميل ، وسيبقى السوريون ويبقى الفلسطينيون ويبقى العراقيون واليمنيون والمصريون . سيبقى العرب والكرد والترك والأمازيغ ويبقى المسلمون .. وكما حزبكم وفكركم سوف تذوبون وتنسون
وشقشقة الكلام ليس ثقافة ..
المنابر المعارة لا تصنع قادة ..
هل الكلام ينفع ؟!!! ربنا يقول : فذكر ... ، سيدنا سعيد بن زيد يقول لزوجه بنت الخطاب وقد طمعت بإسلام أخيها عمر حين لمحت رقة فيه، يقول سعيد : والله لا يُؤمن حتى يُؤْمِن حمار الخطاب !!
يوم كان الناس يتمدحون بكروش الوجاهة قال المتنبي لسيف الدولة :
أعيذها نظرات منك صائبــة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
في هذا العالم الرحب الكثير من الملل والنحل والثقافات والأفكار ..
والصادقون مع أنفسهم فقط هم الذين يتطامنون عندما يتحدثون ؛ عن الله .. .. والإنسان ..
وسوم: العدد 886