قراءةٌ في تداعيات انفجار مرفأ بيروت على الملف السوريّ
في الوقت الذي تذهب فيه طائفةٌ من المراقبين، إلى أنّ انفجار مرفأ بيروت في: 4/ 8/ 2020، لن تكون تداعياته أقلّ تأثيرًا من حادثة اغتيال الرئيس الحريري في: 14/ 2/ 2005، فكما أنّها قد أخرجت الجيش السوريّ من لبنان، فمن المتوقّع أن يضع هو حدًّا للنفوذ الإيرانيّ في لبنان؛ الأمر الذي سيتدحرج نحو ملفات أخرى في المنطقة، من بينها الملفّ السوريّ.
تذهب طائفةٌ أخرى إلى أنّ الأمر لن يكون بتلك النتيجة المرجوّة، فهو لن يجعل جملة المواقف موحّدة في التعامل معه، ومعها على حدٍّ سواء؛ وذلك أنّ المواقف الإقليمية و الدولية من إيران ليست على نسق واحد.
ففرنسا التي بادر رئيسها إلى زيارة بيروت كرئيس أوحد يزورها؛ ويتفقّد موضع الانفجار، ويطمئن أهلها أنّهم ليسوا وحدهم في نكبتهم؛ ليس له تلك المواقف الحادة مع طهران، فهو على الرغم من علو الأصوات ضد حزب الله، كمتهم رئيسيّ فيما حصل، يلتقي بممثليه على حِدَة، ويطمئنهم إلى دور لهم في المرحلة القادمة، وأنّ القرار الذي سيصدر عن محكمة الرئيس الحريري، ويتهم أربعة من أعضاء الحزب بالمسؤولية عن حادثة الاغتيال، لن يكون له مفاعيل ضدهم في مجلس الأمن، وأنّه سيكون كإغلاق لهذا الملف ليس إلاّ، وذلك مراعاةً لمصالح فرنسا مع إيران وأذرعها في المنطقة.
ومعروف أنّ المواقف الفرنسية في عهد ماكرون، قد تراجعت حدّتها تجاه نظام الرئيس الأسد، في مغايرة واضحة لمواقف أوروبية وأمريكية متقدّمة جدًّا عليها، وربما كان ذلك من جملة المناكفات الفرنسية للمواقف التركية في عموم ملفات المنطقة، ومحاباة للدور الإيراني أيضًا في عموم ملفاتها، ومنها الملف السوريّ.
من المتوقّع أن تزداد المطامع الإيرانية في سورية كما في العراق، لجني بعض العوائد منها، بعد أن تلاشت فرصٌ أخرى لجنى الأموال من لبنان المدمَّر، الذي كان يعوِّل عليه الإيرانيون اقتصاديًا إلى حدٍّ كبير.
ومن غير المتوقّع أن يقتنع حزب الله بمراجعة المهام الوظيفية المسندة إليه، في لبنان أو خارجها، في ظل التباين الحاصل في المواقف الدولية من إيران، ولاسيّما بعد تراجع سقف التوقّعات من مؤتمر المانحين، الذي رعته فرنسا، لدعم لبنان بعد كارثة مرفأ بيروت، فعلى الرغم من حماسة الرئيس ماكرون لإنجاحه، لم يستطع جمع أكثر من (252،700) مليون يورو، وهو مبلغ بالكاد يستطيع تعويض الواجهات الزجاجية التي تحطّمت، ناهيك عن أنّ جلّ المساعدة التي وصلت إلى بيروت كانت طبية وغذائية، وهو ما خيّب آمال اللبنانيين، وجعلهم في موقف ندم لحسن ظنّهم بنبرة التصريحات التي أعقبت الكارثة.
وبالعودة إلى تداعيات ما حصل على الملفّ السوريّ، فمن غير المتوقّع أن تكون المواقف الإقليمية أو الأوروبية على وجه الخصوص، متقدّمة على المواقف الفرنسية، فليس هناك حماس تبديه تلك الدول لحلحلة القضية السورية، منذ التدخّل الروسيّ في أيلول/ 2015، اطمئنانًا منها إلى أنّ الملف برمته قد بات في العهدة الأمريكية، التي أوكلت هي الأخرى الأتراك والروس بإدارته نيابة عنها.
لكن ثَمَّة أمر لافت للنظر ينبغي على جميع الأطراف الإقليمية، جماعات ودول، بما فيها إيران، أن تقف عنده، بأنّ أيّ تصعيد عسكريّ في المنطقة نحو إسرائيل، سيكون كارثيًا؛ إذا وقفنا عند تصريح صحيفة يديعوت أحرنوت، بأن الانفجار ناتج عن ضربة إسرائيلية للعنبر رقم (9)، الذي يحوي معدات صواريخ إيرانية يخزّنها حزب الله، ولم يكن العنبر رقم (12) في بال قادة إسرائيل، وإنّما حدث الأمر عرضًا بعد ذلك.
فعلى الرغم من نفي إسرائيل للأمر لاحقًا، بعد رؤيتها حجم الكارثة، التي نتجت عن الضربة، وهو أمرٌ سيحرجها أيّما إحراج؛ فإنّ الرسالة الإسرائيلية إلى الأطراف اللبنانية قد وصلت، ومن ورائهم إلى المحور الإيرانيّ في المنطقة، بأنّ أيّ تصعيد نحوها بعد الآن لن يقلّ كارثية عمّا شهدته بيروت في الرابع من آب/ 2020.
وهو ما يعنيّ التخلّي عن توجيه الرسائل عن طريق الوكلاء، وجعل الأمر بعد الآن على مستوى اللاعبين الكبار، إقليميًا ودوليًا.
سيزداد من الآن فصاعدًا حجم التصعيد من إدارة الرئيس ترامب، نحو إيران وأذرعها، بمباركة من حلفاء واشنطن في المنطقة، وصولاً إلى يوم الثلاثاء: 3 /11/ 2020، ليتقرّر بعده ما إذا كان ذلك سيؤتي أُكُلَه، أم أنّه سيكون هناك رؤية جديدة في عهد خلفه الديمقراطي (جو بايدن).
وسوم: العدد 890