تأهيل الذراع وتأهيل الأمّة
زرت صباح اليوم ولأوّل مرّة في حياتي الطبيب بن سونة المكلّف بالتأهيل العضلي kinésithérapeute، بحي شريفي قدور. وقد أرسلني إليه طبيبي المختص أ. مغراني، بسبب ألم في أعلى الذراع منذ عام.
للأمانة، زرت طبيب مختص في جراحة العظام وقد أمدني ببعض الأدوية وبعض النصائح. وزرت طبيب مختص آخر فأمدني ببعض الأدوية وبعض النصائح.
انتظرت في قاعة الانتظار نصف ساعة أو أكثر بقليل وأنا أقرأ كتاب الذي اشتريته منذ أسبوع: Commandant Azzedine « ON NOUS APPELAIT FELLAGHAS », Editions Stocks, France, 4 trimestre 1976, Contient 349 Pages.
حان دوري، فطلبت منّي الممرضة الدخول لمكتب الطبيب. فقلت: تحتاج الأمّة أن تزور طبيبا في التأهيل، واليوم قبل الغد، بل إنّها تأخّرت وزاد مرضها حدّة وصعوبة. فهي مصابة في جميع جسدها منذ قرون.
نظرت من حولي فرأيت وسائل التأهيل المختلفة والمتعدّدة: خيط يستمد من آلة يوضع في نقطة الألم لينشط العضو عبر كمية من الكهرباء القليلة والضعيفة. وأكياس من أوزان مختلفة 2و5و8 كلغ لتنشيط الرجل والذراع المصاب. وحبال لتنشيط عضلات اليد، والرجل. وأشكال تناسب الركبة، والذراع، والرجل. ومصباح يوضع على مكان الألم لمساعدة العضو المصاب على الحركة بعد ارتفاع درجة الحرارة. وأعترف أنّ هناك أدوات وأشكال لم أعرف لحدّ الآن وظيفتها، وأكيد أنّها لتنشيط أجزاء من الجسد المصاب. وتحتاج الأمّة إلى كثير من الأجهزة وآلات لإعادة تأهيل جسدها المصاب في كلّ شبر من نواحيه. فهي مصابة بالعجز، والكسل، والفشل، والكسر، والضغط في ثقافتها، وعلمها، وشبابها، وحكامها، ورجالها، ونسائها، وخيراتها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وتقاليدها، وجغرافيتها، وتاريخها، وأمراض تعرفها الأمة وأخرى لم تعرفها بعد، وجهل المرض مرض بحدّ ذاته يحتاج لتأهيل.
كلّ جهاز وكلّ آلة مخصّصة لعطل بعينه، ومرض بذاته، وعجز محدّد في الجسد. مايجب وضع كلّ جهاز وآلة في العضو المخصّص لها. وكذلك تحتاج الأمّة لوسائل وآلات خاصّة لأمراضها الخاصّة. فالثقافة تحتاج مايناسبها من آلة ووسيلة، وكذا التعليم، والعادات، والعلاقات، والاقتصاد، والتجارة، واللّغة، واللّغات ليكون التأهيل فاعلا، ومفيدا، وينتفع به جسد الأمّة المصاب بأمراض عدّة.
الطبيب المختص هو الذي يشرف شخصيا على تأهيل أعضاء المريض. وتراه ينتقل من مصاب إلى مصاب، ودون كلل ولا ملل. وباحترافية عالية باعتباره صاحب تجربة، ويملك لسانا حلوا يدفع المصاب إلى التفاعل مع التمارين التي يطلبها منه الطبيب ولو كانت قاسية أحيانا، مايجعله يساعد الطبيب في سرعة التجاوب، وقبول التمرين. وكذلك تحتاج الأمّة لمختصين، وخبراء في تأهيل أعضائها، وإعادة الحياة لها من جديد. فهي تحتاج للفقيه، والمؤرّخ، والسياسي، واللّغوي، والفيزيائي، والكيميائي، والرياضي، والمهني، والاقتصادي، ورجل الأعمال، والمربي، والتاجر باعتبارها مصابة في كلّ الميادين وتحتاج لمختص بعينه يقف على ماأصابها من عجز، وكسل في جسدها.
وضع الطبيب لي برنامجا لتأهيل أعلى الذراع يشمل 3 أيام في الأسبوع. الأحد، والثلاثاء، والخميس. وكذلك تحتاج الأمّة إلى برنامج يومي دائم لعلاج الشلل والكسل الذي أصاب جسدها، ويمتد إلى سنوات لأنّ الكسل الذي أصابها عميق، ويمتد لقرون، ويحتاج لسنوات من العلاج الدائم، والمستمر.
بعض التمارين تتطلب صبرا من طرف المصاب لأنّه تؤلم العضو والجسد، ولعلّ الألم رفقة الطبيب المختص ضريبة العلاج. فكلّ علاج يحتاج لصبر، ويعتريه الألم. وعلى الأمّة أن تدرك أنّها ستتعرّض للألم وقد يكون شديدا وهي تعيد تأهيل جسدها المصاب منذ قرون. وصبر الأمّة على الألم يزيل عنها ألم التخلف، والتقهقر الذي تعيشه في كلّ الميادين، ومنذ قرون. ويتحوّل إلى نجاح، وفرح، وسعادة حين تلمس النتائج المبهرة بعد حين.
وبعدما أنهيت الحصّة الأولى لتأهيل أعلى الذراع دفعت ثمن الحصّة الواحدة والمقدّرة بـ 500 دج (خمسون ألف سنتيم). وعليه أقول: على الأمّة أن تنفق على علاج الكسل والشلل الذي أصاب جسدها، وعلى مدار سنوات. فإعادة الحياة للأعضاء المعطّلة تحتاج لمال تنفقه الأمّة على أبنائها وأعضائها.
للتذكير، سبق لي أن كتبت مقال بعنوان: "تحليل الدم وتحليل الأفكار"، وبتاريخ: السبت 21 شوال 1438، الموافق لـ 15 جويلية 2017.
وسوم: العدد 892