التطبيع ومحنة العلماء
لمّا كان العلماء ورثة الأنبياء قد ورثوا عنهم العلم ، فإنهم أشد الناس ابتلاء كما ابتلي الأنبياء . وابتلاء العلماء يكون إما بالثبات على الحق، وتحمل الأذى أو بمقايضة وراثة النبوة بعرض الدنيا الزائل، وخسارة الآخرة وهي أفدح خسارة .
وتختلف محن علماء الإسلام من عصر إلى آخر حسب ما يكون عليه الوضع السياسي المهيمن ،لأن الساسة يعتمدون على العلماء في تمرير سياستهم لشرعنتها وفق ما يريدون مع أن الأصل أن يكون اعتمادهم عليهم طلبا للرشد والتوجيه إلى ما يرضى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ومما تناقلته وسائل التواصل اليوم خطبة الجمعة بالحرم المكي والتي ألقاها الشيخ السديس وقد تناول فيها قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني بأسلوب تلميح يكشف بشكل واضح أنه قد تلقى أوامر من ساسة بلاده لينحو في خطبته نحو التهوين من شان فضيحة التطبيع . ولقد اختار بعض المعلقين على ما صدر عنه عرض خطب سابقة له كان له موقف مشرف من القضية الفلسطينية ومدينا للاحتلال الصهيوني ومقارنة ذلك مع ما وقع من تغيير في موقفه في آخر خطبة له.
ودون الشماتة به لأن الله عز وجل أعلم بسره ، نرى أنه كان الأجدر به أن يتنكب الحديث عن موضوع في غاية الحساسية بالنسبة لعموم الأمة الإسلامية الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني خلافا لما هي عليه بعض الأنظمة التي يلزمها موقفها من التطبيع، ولا يلزم شعوبها، ولا الأمة الإسلامية .
ولقد كان الشيخ السديس موضع ثقة الأمة كلها التي كانت تحج بيت الله الحرام ، أو تعتمر في شهر رمضان ، فتقف وراءه في صلاة التراويح التي كان يبكي فيها ويبكي من خلفه من المصلين وهو في حالة من الخشوع يتمناها كل مؤمن . وكانت خطبه في الجمع مضرب الأمثال في رسوخ القدم في الخطابة .
ولقد شاء الله تعالى أن يبتلى بالتطبيع على غرار إخوانه العلماء ،وقد زج بالبعض منهم في السجون قبل التطبيع ،ولربما ساومهم الساسة قبل أن يلقوهم في السجون بخصوص موضوع التطبيع وغيره من المواضيع الحساسة ، بينما وجد البعض الآخر أنفسهم أمام امتحان عسير إما أن يستجيبوا لما أراده الساسة أو يواجهوا مصير إخوانهم ،والله أعلم هل قلوبهم مطمئنة مع إكراههم أم أنها منشرحة بذلك .
ولا شك أن هذا الامتحان سيواجهه كل العلماء في البلدان العربية والإسلامية التي سينحو ساستها نحو التطبيع كما هو الشأن بالنسبة لتلك التي اختارته . وعلى العلماء الثبات أمام هذا الامتحان حتى لا تزل أقدام بعد ثبوتها .
ونسأل الله عز وجل الثبات لعلمائنا ، ونسأله أن يوفقهم إلى القول بما يرضيه. ونسأله تعالى ألا تفتن الأمة الإسلامية بفتنة بعض علمائها .
وسوم: العدد 893