من ليس سياسيا خبيراً، فحسبُه أن يعرف طرائق الحساب السياسي !

ليس ضرورياً ، أن يكون المرء ضليعاً ، في السياسة ، لكن من المهمّ ، معرفة طرائق الأخرين ، من أصدقاء وأعداء ، في الحساب السياسي ، كيلا يقع فريسة الجهل ، فيخسر أصدقاء له ، يظنّهم أعداء ، أو يثق بأعداء ، يحسبهم أصدقاء ! 

رُوي عن عمربن الخطاب ، قوله : لستُ خَبّاً ، ولا الخَبّ يَخدعني ! 

ووصفَ أحد الشعراء ، المخادع المتلوّن ، بقوله : 

يُعطيك مِن طرَف اللسان حَلاوةً     ويَروغ عنك ، كما يَروغ الثعلبُ ! 

وإذا كان مضمون هذا البيت ، ينطبق على الموصوف ، في سائر الأمور، الاجتماعية والسياسية ..  فإنه - في الحالة السياسية – أخطر، وأشدّ ضرراً ، لا على الشخص المخدوع ، وحده ، بل على المجتمع ، بأسره ، وعلى الدولة كلّها ! 

بروتوس ، ربيبُ الإمبراطور يوليوس قيصر، اشترك مع المتآمرين على الإمبراطور، وشارك معهم، في قتله ! وحين نظر القيصر، إلى قتَلته ، قبل أن يموت،  ورأى بروتوس بينهم ، قال كلمة ذهبت مثلاً ، وهي : حتى أنت يابروتوس !؟ ذلك أن القيصر، لم يكن يتوقّع ، ولم يخطر في باله ، أن يتأمر بروتوس ضدّه ، ويغدر به ، مع أعدائه القتلة ! 

في العصر الحديث : أكثر الانقلابات العسكرية ، قامت على الخداع ؛ خداع الشركاء العسكريين ، بعضهم بعضاً ! 

ففي سورية : أكل الرفاق البعثيون ، شركاءهم في انقلاب الثامن من آذار، عام 1963 .. ثمّ أكل الرفاق البعثيون ، بعضُهم بعضاً ، في انقلابات متوالية ، حتى استقرّت السلطة ، في يد حافظ أسد ، الذي قضى على رفاقه ، في الحزب والجيش، وهيمن على السلطة ، وحده ، وانفردبها ، مدّة ثلاثين عاماً ، ثمّ ورّثها ابنه !  

وفي العراق : كذلك ، أكل الرفاق البعثيون ، بعضُهم بعضاً ، مرّات متعدّدة ،عبر الانقلابات العسكرية !  

وسائر الانقلابات العسكرية ، التي  حصلت ، في إفريقيا وآسيا ، وأمريكا اللاتينية.. قامت على المبدأ ، ذاته ، مبدأ الخداع ، المبني على التظاهر، بالولاء التامّ ، للجهة المخدوعة .. ثمّ الأطاحة بهذه الجهة ، في أوّل فرصة متاحة ، والتنكيل بها ! 

وعلى هذا تقاس الانقلابات ، كلّها ، في العالم المتخلّف ، الذي تسمح ظروفه السياسية والاجتماعية ، بمثل هذه الانقلابات ! 

وسوم: العدد 895