أولي بلاوي التطبيع الإماراتي : خفاش يصفع وجه قناة السويس
ما إن تم توقيع اتفاق التطبيع بين حكام الإمارات والبحرين والصهاينة، حتي خرج من دياجير الظلام خفاش كبير، مستهدفا صفع قناة السويس علي وجهها بكل صلف وصفاقة... كيف ؟ أرجو ان تقرأ المعلومات التالية التي وردت في سياق تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية خلال سبتمبر الحالي، قبيل توقيع اتفاق التطبيع .
حينما كانت ايران تحت حكم الشاه، عملت معها إسرائيل سرا في مشروع "خط أنابيب النفط الصحراوي"، الذي ينقل نفط منطقة الخليج الي ميناء عسقلان في إسرائيل، عبر ضخ النفط في أنبوب عملاق يمتد بطول 185 ميل، من ميناء إيلات علي البحر الأحمر إلي مدينة عسقلان علي البحر المتوسط.
عقب اندلاع ثورة الخوميني، تعقد العمل بالمشروع، وزاد من صعوبة الموقف المقاطعة العربية لإسرائيل، ومع ذلك ظل المشروع قائما، وأصبح يدار من خلال شركة "خطوط انابيب اسيا وأوروبا"، التي تعرف اختصارا بشركة "إيبك"، ويشغل الصهيوني إيزيك ليفي، الضابط السابق في البحرية الإسرائيلية، منصب رئيسها التنفيذى حاليا..
طوال السنوات الماضية، ظلت هذه الشركة كالخفاش الذي يعمل في الظلام، وكانت أعمالها أحد أسرار إسرائيل التي تخضع لحراسة مشددة، حتي انها لا تصدر أي بيانات مالية، أو تكشف عن عملائها الذين ينقلون النفط عبر خط ايلات عسقلان، وتقول المجلة أن قائمة عملاء الشركة تشمل بعضا من أكبر الشركات في العالم، ولم تظهر اسمائها علنا إلا نتيجة المعارك القانونية التي أعقبت الانهيار الذي حدث في خط الأنابيب عام 2014، وتسبب في أسوأ كارثة بيئية في تاريخ إسرائيل، إثر تسرب أكثر من 1.3 مليون جالون من النفط الخام إلى المحمية الطبيعية الصحراوية في عين إيفرونا.
كانت المقاطعة العربية لإسرائيل ـ علي وهنها وضعفها ـ من أهم الأسباب التي جعلت إيبك الإسرائيلية تعمل في الظلام، حيث كانت المقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات وجيرانهما المنتجين للنفط بالخليج، تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل، يتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج، ما يؤدي إلى تدمير أعمالها بشكل فعال.
هذا الوضع اجبر المتعاملين مع إيبك علي اتخاذ العديد من الطرق لإخفاء هوياتهم، مثل عمليات التسجيل المتعددة، وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال، وإعادة الطلاء، وإعادة العلم وإعادة التسجيل وتزوير سجلات الإرساء وغيرها، وقد اعترف إيزيك ليفي بأن السرية المطلوبة لتفادي آثار المقاطعة العربية جعلت مسار خط الأنابيب باهظ التكلفة بالنسبة لمعظم الشحنات، وغير قادر علي المنافسة في سوق نقل النفط.
اين إدن الصفعة التي ستوجه لقناة السويس؟
تشكل اتفاقات التطبيع الأخيرة ـ خاصة مع حكام الامارات ـ انهيارا لجدار السرية الذي تعمل من خلاله الشركة، وبالتالي يمكنها الخروج للعمل في العلن بدلا من البقاء في الظلام كالخفاش, وقال ليفي أنه بمجرد تآكل المقاطعة العربية وإزالة الحواجز السياسية لاستخدام إسرائيل كمركز لإعادة الشحن، فإن سعر النقل داخل خط الانابيب سينخفض بشكل كبير، ثم يصبح الأمر مجديًا اقتصاديًا وأكثر فائدة، وبالتالي يستطيع المنافسة مع قناة السويس، ويقضي على حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر القناة.
أعلن ليفي بكل صراحة أنه بعد اتفاق التطبيع مع الإمارات، أصبح هدفه هو الاستحواذ علي ما يتراوح بين 12 و17% من أعمال النفط التي تستخدم الآن قناة السويس كوسيلة للعبور من البحر الأحمر للمتوسط، وهذا كمرحلة أولي، وفي كلمات تعكس ثقته في نجاح خطته، وتوجيه لطمة قوية علي وجه قناة السويس، أوضح أن ميزة خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم والمعروفة باسم سفن " في إل سي سي" أو ناقلات النفط الخام الكبيرة جدا، التي يمكنها استيعاب ما يصل الي مليوني برميل من النفط، اما قناة السويس فهي عميقة وواسعة بما يكفي للتعامل مع سفن " سويز ماكس"، التي تصل الي نصف سعة ناقلات النفط العملاقة، وبالتالي، يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين تعبران القناة، مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل، وفي مقابل رسوم المرور بالقناة باتجاه واحد، التي تتراوح بين 300 و400 الف دولار، يسمح خط الأنابيب الاسرائيلي بتقديم خصومات كبيرة، وبالتالي ينقلب الوضع بعد انهاء المقاطعة وبدء التطبيع، ليصبح النقل عبر إسرائيل ارخص من النقل عبر قناة السويس.
ليس هذا فقط، فالتهديد يشمل أيضا خط نقل النفط "سوميد" الذي ينقل جزء من بترول الخليج، من السويس علي البحر الأحمر الي سيدي كرير علي البحر المتوسط عبر الأراضي المصرية، وتمتلك فيه السعودية والإمارات حصة، ويتباهي ليفي بأن خط الانابيب المصري يعمل في اتجاه واحد، مما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي، الذي يمكنه التعامل في اتجاهين، على سبيل المثال، مع النفط الروسي أو الأذربيجاني المتجه إلى آسيا.
تلخص المجلة آثار هذا الوضع علي مصر بقولها: بعد أن كسر الإماراتيون الجليد، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية الإسرائيلية واسعة ومربحة، بدءًا من الاستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر السعودية والشرق الأوسط برمته.، وهنا ستكون مصر الخاسر الاكبر، وستشهد انكماش الأعمال وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار مع وجود هذه المنافسة.
هكذا اخرجت اتفاقية التطبيع بين الصهاينة وحكام الإمارات هذا الخفاش او شركة إيبك وخط انابيبها من الظلام الي العلن، ليهدد صراحة باستهداف ما يتراوح بين 12 و17% من إيرادات القناة من سفن النفط كمرحلة أولي، ويهدد في الوقت نفسه عائدات خط سوميد.
من المعتاد دوما أنه حينما يوقع الصهاينة علي أي اتفاق، تحدث عواقب وخيمة علي طرف ما، إن عاجلا او آجلا، سواء من الموقعين معهم أو المجاورين لهم، أو حتي لطرف في أقص الأرض.
وسوم: العدد 900