الدكتور محمد المختار الشنقيطي صاحب مشروع فكري وازن
الدكتور محمد المختار الشنقيطي صاحب مشروع فكري وازن ونموذج المفكر الجامع بين الفكر الأصيل والمنفتح على الفكر البديل
لا يسع المواطن العربي إلا الفخر والاعتزاز بالمفكر الموريتاني الدكتور محمد المختار الشنقيطي الأستاذ المقيم حاليا بدولة قطر و المحاضر بجامعة حمد بن خليفة بعاصمتها الدوحة.
أما سيرته العلمية ، فقد بدأت في بلده موريتانيا حيث حفظ القرآن الكريم وهو في العقد الأول من عمره ،والتحق بعد ذلك بإحدى المدارس العصرية ليغادرها مبكرا إلى عمق صحراء بلاده لاستكمال دراسته الأصيلة على طريقة أهل شنقيط ضبطا وحفظا وتمكنا من العلوم الشرعية واللغوية بإجازة من شيخه ثم رحل بعد ذلك إلى اليمن لتدريس التفسير والنحو بإحدى مؤسساتها العلمية ، وقد طاب له المقام بها حتى أنه يقول عن بلده موريتانيا بأنه اليمن الغربي إشارة إلى القواسم المشتركة بين البلدين . وكان من شجعه على الرحيل إلى اليمن العالم اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني كما هو صرح بذلك.
ومن اليمن شد الرحال عبر المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتبدأ رحلته من مرحلة تحصيل وتدريس الفكر الأصيل إلى مرحلة الانفتاح على تحصيل الفكر البديل حيث حصل على شهادة الدكتوراه في تاريخ الأديان من جامعة تكساس، وكان موضوع أطروحته حول أثر الحروب الصليبية على العلاقات السنية الشيعية . وهو مختص أيضا في فلسفة الأخلاق السياسية . وقد جمع هناك بين الدراسة والتدريس حيث كان يدرس اللغة العربية في فرجينيا.
وينصب اهتمام هذا المفكر الأكاديمي المتميز على الفكر السياسي الإسلامي ، وعلى الإصلاح الديني ، وعلى قضايا الطائفية في المجتمعات العربية والإسلامية ، وقد ألف العديد من الكتب المهمة التي ترجمت إلى عدة لغات ، وذلك من اللغتين الانجليزية والعربية ،ولا زال غزير التأليف الذي بدأه في شبابه ، وقد بلغ اليوم أشده ، كما أن له مئات المقالات التحليلية المنشورة على موقع الجزيرة نت، وله عشرات المحاضرات والمداخلات في الندوات العلمية الوازنة منشورة في شكل فيديوهات على الشبكة العنكبوتية ، وله العديد من الإسهامات في برامج على قناة الجزيرة وغيرها من القنوات .
ويعتبر هذا المفكر في حد ذاته تحديا باعتباره نشأ في بيئة بدوية صحراوية ولكنها ذات صلة عريقة بالعلم والمعرفة الإسلامية والعربية الأصيلة حيث كان والده التاجر مولعا بحيازة وقراءة الكتب ، وقد حكى عنه أنه تخلى عن إبل اشتراها بعد مدة قصيرة من امتلاكها لأنها شغلته عن عادة مطالعة الكتب . ومن البيئة البدوية الصحراوية إلى البيئة الغربية الأمريكية التي فتحت له الآفاق للإطلاع الواسع والرصين على الفكر الغربي فلسفة وتاريخا ودينا وحضارة .
وخلافا لما يحصل غالبا للشباب العربي المهاجر إلى الغرب من انبهار واستلاب فكري، لم ينبهر الأستاذ الشنقيطي بفكر وثقافة الغرب، ولم يستلب بهما بل كان تعامله معهما تعامل المثقف الذكي حيث استغلهما لتوسيع وإغناء آفاقه الفكرية والمعرفية من أجل التعمق في فهم الفكر والثقافة والحضارة العربية الإسلامية .
ولقد اختار الدكتور الشنقيطي أساتذته في الفكر والمعرفة من كبار الفلاسفة والمفكرين المصلحين ، وعلى رأسهم الشاعر والفيلسوف الباكستاني محمد إقبال ، والفيلسوف الجزائري مالك بن نبي ، والعلامة المصري الشيخ عبد الله دراز ،والفيلسوف الإسلامي البوسني علي عزة بيكوفيتش... وغيرهم من كبار الفلاسفة والمفكرين المسلمين، الشيء الذي طبع فكره بطابعهم الفكري والفلسفي الإصلاحي ، وحسبه أن يكون هؤلاء قدوته في التفكير.
ولقد أهله تموقعه الفكري ليكون مفكرا ألمعيا أصيلا يصل فكر الشرق بفكر الغرب وصلا ذكيا ، ويؤسس لمشروع إصلاحي وازن ينهض بالبيئة العربية الاسلامية نهضة راشدة ، ويضع حدا للصراع الهوياتي والطائفي فيها ، ويقرب المسافة بين مشروع نهضوي أساسه الصلة بالماضي ، وبين مشروع نهضوي أساسه القطيعة مع الماضي . ولا يوافق الأستاذ الشنقيطي على الصراع المجاني الذي لا طائل من ورائه بين الماضويين والحداثيين ، وهو يدعو إلى تقارب بينهم يعود بالنفع على الواقع العربي الإسلامي المنقسم أبناؤه على أنفسهم بالخوض في المسائل الخلافية ، وفي الولاء إلى الأغيار على حساب هويتهم .
ولا تخلو محاضراته أو مداخلاته أو مقالاته أو مؤلفاته من النظرة الموضوعية والعميقة إلى ما يتطرق إليه من قضايا الأمة العربية والإسلامية بعيدا عن التعصب أو الانحياز لطرف دون آخر أو سكوت عن انتقاد تدعو إليه الضرورة العلمية ، وهو منصف حين يقتضي البحث ذلك ،الشيء الذي يجعل مشروعه الفكري وازنا وفي غاية الأهمية ، وهو مشروع نحسب أنه لو قدر له أن تتسع دائرة المهتمين والمنشغلين به لعاد على الأمة العربية والإسلامية بالخير الكثير، لأنه حلقة من حلقات الإصلاح لمفكر خبير بمواقع التلاقي بين الحضارات والثقافات، وعلى علم بأساليب تعايشها البناء والمثمر .
ويكفي أن نشير على سبيل المثال لا الحصر كيف دعا إلى فكرة تعايش الهويات العرقية و اللغوية والعقدية المختلفة داخل العالم العربي والإسلامي عن طريق الحوار البناء فيما بينها، و عن طريق اعتماد أساليب الإقناع عوض أساليب الإكراه أو الإقصاء .
وما أحوج كل هذه الهويات المختلفة والمتنافرة والمنخدعة من طرف قوى خارجية تستهدف وحدتها وتماسكها إلى نصح هذا المفكر الألمعي الذي ينظر بعين فاحصة وخبيرة بواقع الأمة العربية والإسلامية وهي تجتاز مرحلة تاريخية في منتهى الخطورة والحساسية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والتي يطبعها ما صار يعرف بصراع الحضارات كما يسميه الفلاسفة والمفكرون .
ومفكر في حجم الدكتور الشنقيطي وبقامته العلمية المتميزة من الضروري أن تتبنى الجامعات العربية والإسلامية فكره تدريسا وبحثا، لأن هذا الأخير يمثل الاعتدال والتوازن الفكري بعدما تأكد بما لا يحتاج إلى أدلة أن أنواع أخرى من الفكر هي متعالية وإقصائية لم تزد المجتمعات العربية والإسلامية إلا انقساما وتشظيا ينذران بزوالها .
ولا بد أن يحظى فكر الدكتور الشنقيطي باهتمام الطبقة المثقفة خصوصا وأن بعض الإعلام المأجور يقدم بعض المتطفلين على الفكر والخبرة ويصفهم بأنهم الطليعة التي يجب أن تقود الأمة العربية والإسلامية، علما بأنها إنما تقودها إلى المزيد من التمزق بالنفخ في نعرات الهويات العرقية والطائفية واللغوية والحزبية ... التي لا تفضي إلا إلى المزيد من النزاع والصدام اللذين يستفيد منهما المتربصون بالأمة العربية والإسلامية.
ومن واجب المثقف العربي أن يطلع على فكر الشنقيطي الذي إذا قدر له أن يسود العالم العربي والإسلامي ، فإنه سيمثل بالنسبة إليه منعطفا تاريخيا في غاية الأهمية على غرار المنعطفات التاريخية السابقة التي كانت تنقله من مرحلة تاريخية إلى أخرى .
وأخيرا نتمنى للدكتور الشنقيطي مزيدا من العطاء والانتاج الفكري التنويري الغزير مع عمر عريض كما يتمناه، وهو يقصد به العمرالحافل بالعطاء عوض العمر الطويل بلا عطاء.
وسوم: العدد 905