مزدوجة النباش الأول ...

كان النباش الأول شخصا لئيما دنيئا منحطا قاسي القلب عديم الضمير ، ينبش القبور ليسرق أكفان الموتى ، ثم يبيعها ليتكسب بثمنها ..

وحين أبدع الفكر العامي البلدي مقولة " الترحم على النباش الأول " وصاغها في مثلٍ وحكايةٍ ، فإنه ضرب المثل بأقسى الجرائم التي يمكن للإنسان أن يقبل بالترحم على مرتكبها " نبش القبور وسرقة الأكفان " . واستدعاء " الترحم " على مثل هذا المجرم ، فيه استفزاز على طريقة جمع الأضداد المتنافرة في تعبير مثل " الترحم على النباش " . وهي طريقة شعرية برع فيها أبو الطيب المتنبي أيما براعة كما في قوله : كما نثرت فوق العروس الدراهم . فأي تناقض أكبر من الانتقال بمخيلتك من صورة الرؤوس تتطاير في ميدان المعركة ، وتنتثر على الأحيدب إلى صورة العرس والعروس والدراهم تنتثر فوق رأسها !!

عمليا لا أحد يترحم على نباش كائنا من كان هذا النباش .

ولكن الصورة كما أسلفت لاستفزاز المخيلة ، وتهييج المشاعر ، واستنهاض العقل إلى التأمل والتدبر وحسن القرار ..

وحين أتأمل اليوم ما يصدر عما يسمى زورا واغتصابا ممثليات الثورة ( طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) من وثائق وطرائق أداء ، أدرك أننا صرنا بين نباشين . اللاحق منهما أشد إيغالا في المؤامرة على سورية الوطن والإنسان ، سورية الهوية والحضارة والثقافة والتاريخ والحاضر والمستقبل .. صرنا بين نباشين وحوصرنا في الولاء لأحدهما أو الترحم على الآخر !!

لن أدعو إلى الترحم على أي نباش أبدا ..

وإنما أدعو إلى النبذ إلى النياشين على سواء .

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 906