السوريون وتنامي عوامل اليأس
يرى المعنيون بتحليل الأحداث أنّ أيّ نزاع مسلح يطول في منطقة ما؛ يصبح ثقيلًا على نفوس الناس، وينتج عنه مشاكل وإفرازات لم تكن في الحسبان، تجعل المجتمعات المنخرطة فيه غير قادرة على التكيّف معها، وهو ما كان مع السوريين، بغض النظر عن أماكن تموضعهم.
وغير خاف أنّ طرفي الأزمة في الملفّ السوريّ ليس بمقدورهم الخروج بصيغة حلّ، تضع حدًّا لعشر سنوات من النزاع والاقتتال، أتت على الأخضر واليابس في بلدهم؛ وذلك أنّ الأمور قد خرجت من إطارها المحليّ، إلى الإقليميّ، ثمّ العالميّ، وأصبحت أيادي تلك الدول المنخرطة فيه هي التي تحرّكه، وما على طرفي النزاع فيه سوى التناغم مع إملاءات تلك الدول وحساباتها المصلحية.
لقد ذهب طرفا هذا الملف إلى جنيف وأستانا وسوتشي في أكثر من جولة، وجرّبوا حظهم في التحاور عبر الوسيط الأمميّ، ولم يفلحوا؛ وذلك أنّ أحدهما كرّس كلّ ما لديه من رصيد في المفاوضات والمماحكات كي يجعل الآخر في دوامة من الأفكار، على حدّ تعبير الوزير المعلم، أما الآخرون فقد ذهبوا وهم خالو الوفاض حتى من الدعم الأمميّ، الذي جعلهم يعيشون في متاهات السلل الأربعة، التي تنقضي الأزمان والعصور، وهم لا يعرفون لها مآلاً.
كلّ ذلك والسوريون على امتداد الجغرافية السورية يعيشون ظروفًا في غاية البؤس، ومن حالفه الحظ منهم وأصبح في عداد اللاجئين، فهم من يأس إلى يأس، ومن بؤس إلى بؤس أشدّ وأنكى.
وبناء على هذا الجو من انعدام الثقة في الحلّ، سعى الكثير منهم في بلدان اللجوء، وحتى في مناطق النزوح الداخليّ، إلى التكيّف مع واقعهم الحالي، فأوجدوا ظروفًا تجعلهم يعيشون في حال تقترب ممّا كانوا فيه، سواءٌ من خلال السعي المباشر لأفراد الأسرة في إيجاد مصادر للعيش، أو من خلال الاعتماد على المعونات الإنسانية، وبرامج الدول المضيفة.
الأمر الذي جعلهم يديرون ظهرهم للأزمة، ويتركون الأطراف المنخرطة فيها وشأنهم، غير عابئين بسيل الوعود والمبادرات الأممية، أو دعوات العودة إلى الوطن الأم.
ولعلّ خير مثال على هذا، هو حالهم في تركيا، التي انخرطوا فيها بشكل كبير، بناء على ما قدمته الحكومة التركية من البرامج الخاصة بها، أو من خلال الأخرى المشتركة مع الدول الأوربية من مجموعة (شنغن) أو مع الأمم المتحدة.
ففي الأسبوع الأول من شهر: 12/ 2020- الحالي، ناقشت اللجنة الفرعية للهجرة والاندماج في البرلمان التركي بحثًا أعُدّ في سنة 2019، هو الأحدث من بين ثلاثة أبحاث تبحث في أحوال السوريين اللاجئين في تركيا، الذين يربو عددهم على (ثلاثة ملايين و635 ألف)، أعدّه د. مراد أردوغان (مدير مركز أبحاث الهجرة والاندماج في الجامعة التركية الألمانية).
خلص فيه إلى أن نسبة من قالوا " لن نعود إلى سورية، بأي شكلٍ من الأشكال" قد ازدادت في السنوات الأخيرة، إلى (51،8 %) مقارنةً بعام 2017، عندما كانت (16،7 %). في حين كانت نسبة من قالوا " نعود إلى سورية، إذا انتهت الحرب وتشكلت حكومة كما ينبغي أن تكون"، في عام 2017، نحو(60 %)، انخفضت إلى نحو(30 %)، وأنّ " سعادة السوريين في تركيا قد ازدادت، وأنّ هنالك تصوّر بأنهم يشعرون بتحسّن وبأمان أكثر من الأعوام الثلاثة السابقة ".
وبحسب البحث، فما زالت نسبة السوريين في تركيا، الذين يقولون " أخطط للعودة "، هي ( 6،8 %). وذلك في مؤشر واضح إلى أن السوريين غيّروا رأيهم، بسبب فقدهم الأمل من وجود حلّ لمأساة بلدهم سورية، للأسباب والعوامل التي سبقت الإشارة إليها في أعلاه، وبإنّهم مع مرور الزمن قد أسسوا حياة جديدة في تركيا، التي هاجروا إليها، ومن الطبيعي أنهم لا يفكرون في ترك ذلك، وإنْ تغيّرت الظروف.
إنّه مع مرور الزمن الذي تحوّلت فيه الأسابيع إلى شهور، والشهور إلى سنوات؛ وجد اللاجئون السوريون أنفسهم في وضع (الانتظار) على أرض بلد آخر، وأصبحوا يواجهون مصاعب ومحنًا مختلفة في حياتهم، سواء أرادوا ذلك أم لا؛ فعلى الرغم من توقّف الحياة في سورية، فإن الحياة مستمرةٌ في دول الجوار، فأطفالهم الذين وُلدوا في تركيا في بدايات الحرب صار عمرُهم اليومَ عشر سنوات، والقاصرون الذين لجؤوا إليها أصبحوا الآن يافعين، وهم عند البحث عن العمل والتعليم والتنمية الشخصية والفرص الأخرى إلى احتياجات الناس، مثل المأوى والغذاء والرعاية الصحية، يأخذ كل شخص حاجته من قائمة (الانتظار)، ويضعها في وضع (التفعيل). ولا يُعدّ ذلك تخليًا عن الوطن، حيث يجبُ على كل فرد أن يجعل حياته مستمرةً.
إنّ ثقافة السوريين لم تعد هي نفسها، فقد باتوا يتأقلمون مع العيش في تركيا بمرور الوقت، وسيكون هناك في المستقبل عوامل محددة أكثر حسمًا، ومع ازدياد تكيّف السوريين في تركيا، يمكن توقّع زيادة الاندماج الاجتماعي بين السوريين والأتراك، ولن يكون هذا على المدى القصير، بل مع مرور الوقت.
وسوم: العدد 908