زيارة المرضى لها أصول
زيارة المريض حقّ وواجب للمرضى على أقاربهم وأصدقائهم، وهذه من معتقداتنا وعاداتنا الحميدة، وقد وردت أحاديث نبويّة شريفة كثيرة في التّرغيب بزيارة المرضى، وبيان ثوابها وأنّها من الحقوق المؤكّدة. لكن يغيب عن كثيرين منّا بأنّ لزيارة المريض أصول وقواعد تضمن سلامة المريض وتساعد على شفائه، فمثلا عندما يرقد مريض في مستشفى وبغضّ النّظر عن مرضه، فإنّ كثيرين يتوافدون على المستشفى بطريقة تثقل على المريض، وعلى الأطبّاء، وعلى المرضى الآخرين، وبالتّالي فإنّ الغاية من زيارة المريض تنعكس سلبا وتصبح ضارّة لا نفع فيها.
وعندما يتحرّر المريض من المستشفى، وفي بعض الحالات خصوصا بعد إجراء عمليّات جراحيّة، ويحتاج إلى الرّاحة حتّى يستعيد عافيته، فإنّ كثيرين يزورونه ويمكثون عنده ساعات طويلة ممّا يضرّ به، ويعيق شفاءه، ويسبّب له ألما وأوجاعا.
أذكر مهندسا صديقا، أجريت له عمليّة "ماسور" في سبعينات القرن الماضي، ولم يكنّ الطّبّ متقدّما كما هو اليوم، وبعد تحرّره من المستشفى، انهال عليه الزّائرون، وكلّ شخص أو مجموعة يمكثون عنده لساعات، وقبل مغادرتهم يأتي زائرون آخرون، والرّجل يجلس معهم مكرها وموجوعا، وبعد ساعات انطلقت منه آهة ألَمٍ من شدّة الأوجاع، فسأله أحد الزّائرين الذي يعرف كنه العمليّة التي أجريت له: لماذا تتأوّه ألَما؟ ماذا يؤلمك؟ فأجابه المريض ساخرا: أُذني تؤلمني!
في الأيّام القليلة الماضية أجريت عمليّة جراحيّة في العمود الفقريّ لصديق واعٍ وعزيز على قلبي، فهاتفته للإطمئنان على صحّته قبل أن يجري العمليّة، وسألته عن القسم الذي يرقد فيه، وفي خاطري أن أزوره، فلم يجبني على سؤالي وأضاف: لن أقبل أن يزورني أحد حرصا على حياتهم بسبب "الكورونا"، وأجريت له العمليّة بنجاح، وتحرّر من المستشفى، لكنّه بحاجة إلى الرّاحة ليتعافى، لكنّ الزّائرين لم يرحموه، وتوافدوا إليه دون استشارته ودون ترتيب معه، واضطرّ لمجالستهم مكرها وموجوعا، فالعادات لا تسمح له بعدم استقبالهم، أو بعدم مجالستهم، فتحمّل الأوجاع وهو يجالسهم لساعات طويلة، وهم ينتقلون من موضوع إلى آخر لساعات طويلة. وعندما بدأت حالته في التّحسّن، عاود البعض منهم ومن غيرهم زيارته والمكوث عنده لساعات طويلة، لتنتكس حالته الصّحّيّة من جديد.
ولم يبق أمام صاحبنا إلّا أن يكتم صرخة محمود درويش "ارحمونا من هذا الحبّ القاسي"، مع الاختلاف في الأسباب. فهل نرحم مرضانا؟ وهل نساعدهم على الشّفاء بالبعد عنهم حتّى يتعافوا من مرضهم؟
وسوم: العدد 909