ترامب وأيامه الأخيرة رئيساً
ما جرى ويجري في الولايات المتحدة بعد أن حُسمت نتائج الانتخابات الرئاسية في مصلحة جو بايدن، ثم عدم التسليم بذلك حتى الآن من قِبَل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بل واستمراره في العمل على إبطالها أو تعطيلها، يشكل ظاهرة لا سابق لها في تاريخ الولايات المتحدة، بهذا الشكل وعلى هذه الصورة، وضمن الوقائع المعطاة.
طبعاً حدثت حالات تم اللجوء فيها إلى القضاء لحسم نتيجة انتخابية معينة، ولكن ما يحدث اليوم يأخذ شكل التمرد وشبه العصيان، ولو من الناحية الشكلية، ضمن ما يتيحه الدستور من صلاحيات للرئيس ما دام في البيت الأبيض بعد انتخابات جرت في غير مصلحته.
دونالد ترامب حتى الآن في حالة تمرد، وخروج على الأعراف والتقاليد، وراح يسيء استخدام الصلاحيات الدستورية المعطاة للرئيس في غير هذه الحالة القائمة الآن. وقد وصل به الأمر أن هدد بإعلان حالة الطوارئ في خمس ولايات وإعادة الانتخابات فيها، وهو أمر لا يتورع عن المضي به ما لم يلق رفضاً من تلك الولايات، أو من الجيش، أو من "أولي الأمر" في الحزبين.
دونالد ترامب في حالة تحدٍ لرأي عام واسع انتخب جو بايدن، كما لجزء من ناخبيه، ومن قيادات الحزب الجمهوري وكوادره الذين وقفوا معه، ولكن لا يؤيدون أن يذهب إلى هذا المستوى من الرفض لنتائج أصبحت مقررة، وعليه أن يحترمها.
ومع ذلك هو ذاهب في المعركة، ربما حتى اليوم الأخير الذي يفترض به أن يخرج من البيت الأبيض وتنتهي فيه رئاسته رسمياً.
فعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات وانتقال الرئاسة إلى جو بايدن أصبح محسوماً، فإن على من يراقب ترامب ألاّ يطمئن تماماً، إلاّ بعد خروجه من البيت الأبيض. فهل هو مجرد رئيس نزق متمسك بالرئاسة تمسكاً جنونياً؟ أم يمثل تياراً أمريكياً له وجود بعشرات الملايين ممن انتخبوه ويريدون تغييراً في الدولة العميقة، وفي النظام الداخلي، وهو ما يسند تصرفات دونالد ترامب ويدعمه؟
إذا صح ما تقدم أعلاه فهذا يعني أن ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض، ولن يخرج إلاّ وأنفه راغم، سيتواصل الانقسام العامودي في المجتمع الأمريكي والسياسات الداخلية الأمريكية. ولا شك في أنه ظاهرة تعبّر عن تراجع في الوضع الأمريكي، وليست تعبيراً عن صعود أو نهوض.
على أن المدهش في سياسات دونالد ترامب أنه إلى جانب تركيزه على معركته الداخلية راح يركز، وبالقوة نفسها، على توتير الوضع مع إيران وحزب الله، ومع الفلسطينيين، وفي لبنان وسوريا والعراق، وعدد من البلاد العربية لدفعها، قبل مغادرته، للسير على نهج محمد بن زايد في التطبيع مع الكيان الصهيوني.
طبعاً من يتعامل في أولويتين متباعدتين، في آن واحد، مصيره الفشل؛ لأن في ذلك مخالفة في صحة إدارة الصراع، خصوصاً إذا لم يكن في حالة صعود ونهوض. فمعركة دونالد ترامب الداخلية ضد جو بايدن خاسرة إلى حد بعيد، إن لم يكن شبه أكيد.
أما سياسته إزاء التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو إزاء التوتير بعمليات عسكرية، أو حتى حرب ضد إيران، فهي بالرغم من خطرها وضرورة الحذر منها، ستكون فاشلة، وفاقدة لتوفير شروط نجاحها، وذلك عدا عن حالة الابتزاز أو الإغراء لدى قلة من الدول كما حدث مع السودان والمغرب. فما يعتبر "إنجازاً" في هذا المجال، بالرغم من إساءته للقضية الفلسطينية، يقوم على أرجل خشبية، ولسوف يرتد لاحقاً على غير ما أرادت رياح ترامب وصهره كوشنر. ولعل أولى بوادر تلك الرياح احتمال انهيار تحالف نتنياهو- غانتس، والذهاب إلى انتخابات ستزيد من أزمة الكيان الصهيوني الداخلية.
لهذا إن الأسابيع القليلة القادمة ستكون أسابيع توتر شديد وخطر، في الداخل الأمريكي كما في الخارج، ولكن بعدها لكل حادث حديث في قراءة الوضع الدولي عموماً والإقليمي عندنا خصوصاً.
وسوم: العدد 909