مال الخسيس يروح فطيس
أين تختبئ مليارات الدولارات التي يسرقها بعض الطواغيت العرب وجنرالاتهم من البلدان التي يحكمونها بالحديد والنار؟
ليس سراً أن البنوك الأجنبية وخاصة الغربية هي المستودع الذي يلجأ إليه اللصوص الكبار في بلادنا كي يخبئوا فيه ملياراتهم المسروقة من ثروات الشعوب المنكوبة بالظلم والطغيان. واللافت أن المسروقات العربية تجد طريقها بيسر وسهولة إلى البنوك الأجنبية رغم القيود المفروضة على التحويلات خوفاً من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ما أسهل أن تنهب بلداً وتضع ثرواته في حسابات خاصة في الخارج باسم الطاغية وأولاده وحاشيته وأقربائه وعصابته. ما أسهل أن تستثمر ملياراتك المنهوبة في الخارج في أي مشروع تريد كما فعل القذافي ورفعت الأسد ومن بعده بشار. لا بأس أن تقتل وتمارس كل أنواع الإجرام في بلادك وتسرق قوت الناس، ثم تذهب به إلى ملاذات آمنة. ولا ننسى أن كثيرين من الجنرالات والقتلة العرب الذي أوغلوا في دماء شعوبهم على مدى عقود عاشوا بقية حياتهم في الخارج يستمتعون بالثروات المسروقة دون أي حسب أو رقيب حتى جاء وقت الحساب.
لم تكن المليارات التي حولها الطواغيت وعصاباتهم لتجد طريقاً سهلاً إلى الغرب أو غيره لولا أن ضباع العالم يعرفون مسبقاً أنها ستكون من نصيبهم بعد حين. ويقول البروفسور الليبي، إن «الدراسات الاقتصادية أثبتت أن حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط منذ عام 1969 تقدر بثلاثة ترليونات دولار، وأن نصف هذا المبلغ ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه. ويشير إلى أن القذافي «وضع حساباً خاصاً أسماه الحساب المجنب، أي الحساب الذي توضع فيه عائدات النفط جانباً «. وفي تعليقه على ما أوردته بعض التقارير الاعلامية التي قالت إن ثروة القذافي قد تصل إلى 82 مليار دولار، قال إن «الرقم الحقيقي يزيد بكثير عن ذلك، باعتبار أن هذا الرقم تم ذكره في بداية التسعينيات».
وقد جمدت البنوك الغربية بعد الثورة الليبية أكثر من 350 مليار دولار. وقد شملت هذه الاستثمارات مجالات عدة تراوحت بين البنوك والصحف ونوادي الرياضة وصولاً إلى قطاع صناعة السيارات، فالمساهمة الليبية في قطاع البنوك في إيطاليا وصلت إلى 7.5 بالمائة، كما تملك هيئة الاستثمارات الليبية حصة 2.6% في شركة «فيات» وحصة 7.5% من نادي «جوفنتوس» لكرة القدم، حسب ما ذكره تقرير لصحيفة الغارديان، بالإضافة إلى استثمار القذافي نفسه عام 2009 ما قيمته 21.9 مليون دولار في مجمع فندقي في مدينة لاكويلا الايطالية التي شهدت زلزالاً مدمراً في 2009. وكانت تقارير ذكرت في الماضي أن بلجيكا عاشت فضيحةً كبرى عنوانها اختفاء حوالي عشرة مليارات يورو من الأموال التي أودعها القذافي في الخارج.
وقال أحمد قذاف الدم أحد أقرباء القذافي: إن «الغرب استولى على ثروة القذافي، وبددوا ما يقرب من 277 مليار دولار خلال الأعوام الماضية. وأضاف أن ثروات ليبيا موزعة على الأقل في 35 دولة تنتشر في أربع قارات، وتشمل عقارات فخمة ودور نشر في بريطانيا، وصولاً إلى منتجعات وفنادق بالشرق الأوسط وحتى حصص في نادي يوفنتوس الإيطالي لكرة القدم، وشركة «فيات» للسيارات، فضلاً عن البنك الملكي الإسكتلندي وشركة بيرسون».
والقذافي ليس الوحيد الذي نهب ثروات بلاده وأودعها في الخارج ثم تبخرت، فقد فعلها أيضاً الرئيس التونسي والرئيس المصري حسني مبارك، حيث تحدثت التقارير عن مليارات الدولارات في الخارج باسم الطواغيت بعد سقوطهم. ونصل اليوم إلى ثروات آل الأسد في سوريا حيث توصلنا أي عملية حسابية بسيطة إلى أن مجموع الأموال التي جناها آل الأسد منذ عام 1970 من النفط وغيره من الثروات السورية دون أن تدخل الخزينة تزيد على ترليون دولار حتى الآن ولا أحد يعرف مكانها في الخارج، بينما يموت الشعب السوري من الجوع. واضح أن الطواغيت لا يتعلمون من أخطاء بعضهم البعض، فكما تبخرت أموال القذافي، بالتأكيد ستتبخر أموال آل الأسد. وقد بدأت العملية بمصادرة أموال واستثمارات رفعت الأسد في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، فقد نهب رفعت عندما خرج من سوريا عام 1985 كل مدخرات الخزينة السورية باتفاق مع أخيه الهالك حافظ الأسد، وهرب بها إلى الغرب واستثمرها هناك لردح من الزمن، لكن في اللحظة المناسبة بدأت المحاكم الغربية تلاحق رفعت وتسأله من أين لك هذا، مع أن الغرب يعلم منذ اللحظة الأولى أنها مسروقات من قوت الشعب السوري، لكنه سمح له بإدخالها كي يستمتع بها إلى حين، ثم يضع الغرب يده عليها. وهذا ما حصل. والشيء نفسه سيحصل لاستثمارات آل مخلوف وشاليش وبقية العصابة في روسيا وروسيا البيضاء وغيرهما الآن.
وقبل أيام أصدرت الخزينة الأمريكية عقوبات على أسماء بشار الأسد وعائلتها بالتنسيق مع السلطات البريطانية التي تحمل جنسيتها. وهذا يعني ضمناً أن عملية وضع اليد على مسروقات أسماء وزوجها في الغرب قد بدأت وسيكون مصيرها مصير أموال رفعت والقذافي. ولا ننسى أن بشار الأسد كان قد اعترف قبل أسابيع بأن أكثر من أربعين مليار دولار من أمواله قد اختفت في البنوك اللبنانية بعد العقوبات التي فرضتها أمريكا على لبنان.
أخيراً نسأل: هل كان الطواغيت العرب الذين نهبوا ثروات بلدانهم وأودعوها في الخارج، هل كانوا مغامرين، أم أنهم كانوا يعملون مع أسيادهم ومشغليهم على النسبة. هم يقتلون ويعبثون ويسرقون ثروات بلدانهم، والخارج يدعمهم ويمدد لهم البقاء في الحكم ويفتح لهم المجال لإخراج المسروقات، ويغض الطرف عن جرائمهم وطغيانهم واستبدادهم في بلادهم؟ هل هي عملية سلب ونهب فردية يقوم بها الحاكم وعصابته ثم يحولها إلى الخارج، أم أن العملية من بدايتها لعبة متفق عليها بين كلب الصيد (الطاغية) والصياد الذي يرعاه في الخارج؟
وسوم: العدد 910