أدب الكاتب والتهريج المعاصر !!؟
تحدث ابن قتيبة في مقدمة كتابه (أدب الكاتب ) عن الصفات والعلوم التي تلزم الكاتب لكي يكون كاتبا بحق . وتعرض لنوع من الناس يسعون وراء الشهرة ، ويطلبون السمعة بين الناس ، فلا يجدون سوى التنكب عن طريق الحق ، ومخالفة ما استقرت عليه معارف الناس ، والإزراء بالدين ، والاعتراض على كتاب الله ، وحديث رسوله ! واستعمال الالفاظ التي تستهوي الأغرار دون أن يكون وراءها معنى أو غاية ، فيقول – رحمه الله –عن هذا النوع : ( فأبعد غايات كاتبنا في كتابته أن يكون حسن الخط ، قويم الحروف . وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشعر أبياتا في مدح قََََـَينة ، أو وصف كأس ، وأرفع درجات لطيفنا أن يطالع شيئا من تقويم الكواكب ،وينظر في شيء من القضاء ، وحد المنطق ، ثم يعترض على كتاب الله بالطعن وهو لا يعرف معناه ! وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – بالتكذيب ، وهو لا يدري مَن نقله ، قد رضي عوضا من الله وما عنده بأن يقال ( فلان لطيف ) و ( فلان دقيق النظر ) . يذهب إلى أن لطف النظر قد أخرجه من جملة الناس ، وبلغ به علم ما جهلوه ، فهو يدعوهم الرعاع والغثاء والغثر ( الحمقى ) ... وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى ، وهي به أليق، لأنه جهل وظن أن قد علم ، فهاتان جهالتان ، ولأن هؤلاء جهلوا وعلموا أنهم يجهلون .... ولو أن هذا المعجب بنفسه ، الزاري على الإسلام برأيه ، نظر من جهة النظر لأحياه الله بنور الهدى ، وثلج اليقين ، ولكنه طال عليه أن ينظر في علم الكتاب ، وفي أخبار الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته ، وفي علوم العرب ولغاتها و آدابها ، فنصب لذلك وعاداه ، وانحرف عنه إلى علم قد سلمه له ولغيره المسلمون ، وقل فيه المتناظرون؟! له ترجمة تروق بلا معنى ، واسم يهول بلا جسم ، فإذا سمع الغمر (عديم التجربة ) والحدث الغر قوله : الكون والفساد ، وسمع الكيان ، والأسماء المفردة ، والكيفية والكمية والزمان والدليل ، والأخبار المؤلفة ، راعه ما سمع ، وظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة ، وكل لطيفة ، فإذا طالعها لم يحل (يظفر ) منها بطائل ...؟! )
أن هذا الصنف الذي تحدث عنه ابن قتيبة لم يخل عصر ولا مصر منه ... بل هم في عصرنا هذا زادوا على غيره من العصور !
فتحت شعار المنهج العلمي ، وحرية الرأي ، ونقد التراث ، والحقيقة المجردة راحت عقولهم القاصرة و أقلامهم العرجاء تتعرض للتاريخ الإسلامي بالتجريح والتشكيك برجاله ، وتتطاول بغير علم على السنة النبوية ، مرة بالطعن في الأسانيد ،ومرة بدعوى أن ما جاء فيها لا يتوافق مع العقل والواقع ؟ََ! وراحوا يحشون كتبهم ومقالاتهم بالمصطلحات الأجنبية والنقول عن الغربيين ليصرفوا إليهم وجوه الأغرار.. فسمعنا عن نظرية الانتحال في الشعر ، وعن نقد الفكر الديني ... وعن إنكار أمية النبي –عليه الصلاة والسلام – وغير ذلك فنال أصحاب هذه الدعاوى الشهرة على مبدأ من يقول ( خالف تعرف ) وما هم بكاتبين َ!
وسوم: العدد 915