حروف الذلاقــة والبحث في لغة الجذور
جاء في كتاب العين: الحروف الذلق والشفوية ستة: الراء واللام والنون والفاء والباء والميم، يجمعها قولك: رب من لف، وسميت الحروف الذلق ذلقًا لأن الذلاقة في المنطق إنّما هي بطرف أسلة اللسان، وذلق اللسان كذلق السنان.
ولما ذلقت ستة الحروف هذه وبذل بهن اللسان وسهلت في المنطق كثرت في أبنية الكلام، فليس شيء من بناء الخماسي التام يعرى منها أو من بعضها.
فإذا ورد عليك اسم خماسي معرى من الحروف الذلق والشفوية، فاعلم أنّه مولَّد، وليس من صحيح كلام العرب. وأما بناء الاسم الرباعي المنبسط فإن الجمهور الأكثر منه لا يُعرّى من بعض الحروف الذلق إلَّا كلمات قليلة نحو من عشر.
ومهما جاء من اسم رباعي منبسط معرى من الحروف الذلق والشفوية، فإنّه لا يعرى من أحد طرفي الطلاقة، أو كليهما، ومن السين والدال أو إحداهما، ولا يضره ما خالطه من سائر الحروف الصتم.
قلت، وبمعنى آخر: لا تخلو كلمة خماسية من كلام العرب من أحد حروف الذلاقة إطلاقـًا، كما لا تخلو منها كلمة رباعية غالبًا.
غير أنّ هناك ستة عشر كلمة شذت عن القاعدة فقط، فإذا ما واجهتنا كلمة رباعية عدا الشواذ ليس فيها حرف ذلاقة، أو خماسية فنحكم مباشرة على أنّ الكلمة غير عربية.
ومن أمثلة الرباعي والخماسي الذي جاء شاذًا دون حرف من حروف الذلق: (عسجد - القسطوس - القداحس - الدعشوقة - الهدعة - الزهزقة)
العسجد: الذهب، وقيل: هو اسمٌ جامِعٌ يُطْلَقُ على الجَوْهَرِ كُلِّه كالدُّرِّ والياقوتِ، وقال المازِنِيُّ: العَسْجَد، البَعِيرُ الضَّخْمُ. وفي الصحاح للجوهريّ العَسْجَدُ: أَحدُ ما جاءَ من الرُّباعِيِّ بِغَيْرِ حَرْفٍ ذَوْلَقِي، كما أشرنا آنفــًا.
القسطوس: القسطوس أو القسطاس بالضّمّ والكَسْرِ (قُسطاس وقِسطاس): المِيزَانُ قال اللهُ تَعَالَى: " وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ "، قرَأَ الكُوفِيُّون غيرَ أَبي بَكْرٍ بالكَسْرِ والبَاقُونَ بالضَّمِّ. وقِيلَ: هو أَقْوَمُ المَوَازِينِ وأَعْدَلُهَا. وقالَ الزَّجّاجُ: القِسْطَاسُ: القَرَسْطُون، وبعضُهُم يَفَسِّرُه بالشَّاهِينِ وقِيلَ: هو القَبَّانُ أَو قِيلَ: هو مِيزَانُ العَدْلِ أَيَّ مِيزَانٍ كانَ مِن مَوَازِينِ الدَّراهِمِ وغيرِهَا، كالقِصْطاسِ بالصاد، أَو هو رُومِيٌّ مُعَرَّبٌ قاله ابنُ دُرَيْد ولا حجة له فيما ذهب اليه إلَّا الحدس والتوهم والتخمين، فهو عربي من الجذر (ق س ط) قطعًا، ولا يماري في ذلك إلَّا جاهل بقواعد الاشتقاق، والله أعلم.
القُدَاحِس (كما جاء في تاج العروس للزبيدي رحمه الله): كعُلاَبِطٍ، هو الشُّجَاعُ الجَرِيءُ. وقيل: السَّيّء الخُلُقِ وهذ الرأي لابن دُرَيْدٍ. وقيل: الأَسَد وهذه عن الصّاغَانِيِّ. وقال أَبو عَمْرٍو: الحُمَارِسُ والرُّمَاحِسُ والقُدَاحِسُ: كُلُّ ذلك منْ نَعْت الجَرِيءِ الشُّجَاعِ قال: وهي كُلُّها صَحِيحَةٌ.
الدعشوقة (كما في اللسان): الدُّعْشُوقة دويبَّة كالخُنْفُساء، وربما قيل للصبيَّة والمرأَة القصيرة: يا دُعْشُوقة تشبيهاً بتلك الدويبة وقال الجوهري دويبة ولم يُحلِّها، ودعشق اسم، وفي تاج العروس قال: دعشق، كالدُّعْشُوقَةِ بالشِّينِ المُعْجَمة، وهكذْا ضَبَطَه الجوهرِيّ: وهي دُوَيْبَّةٌ، وضَبَطها ابنُ عَبّادِ بالسينِ المُهْملَة كما تقَدَّم، ويُقال للصَّبِيّةَ والمَرْأَةِ القَصِيرَةِ: يا دُعْشُوقَةُ تَشْبِيهاً بتثكَ الدُّوَيْبَّةِ أَوهي شبْهُ الخُنْفُساءَ وقالَ الجَوهرِيُّ: دُوَيْبَّةٌ ولم يُحَلِّها وكذا ابنُ عبَّادٍ وأنْكرَ اللَّيْثُ أَنْ تكونَ الدَّعشوقَةُ عربيَّةً محضةً لخُلُوِّها من أَحَدِ حُروفِ الذَّلاقَةِ، فأَمّا العَسْجَدُ فشَاذٌّ كُل مُسْتَثنىً، وممّا يستدرك عليه: دَعْشَقٌ كجَعْفَرٍ: اسمُ رَجُلٍ كما فِي اللَسانِ .
الهِدَعُ (كما جاء في صحاح الجوهري): كلمةٌ يُسَكَّنُ بها صغار الإبل إذا نفرت. والهَوْدَعُ: النَعامُ. وقال ابن منظور: زعموا أَن رجلاً أَتى السوق ببَكْرٍ له يبيعه فساوَمَه رجل فقال بِكَمِ البكْرُ؟ فقال إِنه جمل فقال هو بكر، فبينما هو يُمارِيه إِذْ نَفَرَ البكر، فقال صاحبه هِدَعْ هِدَعْ؛ ليَسْكُنَ نِفارُه. فقال المشتري: صدَقَني سِنَّ بَكْرِة، وإِنّما يقال هِدَعْ للبكر ليَسْكُنَ، وهَداعِ من زَجْرِ العُنُوقِ كدَهاعِ. وإنّها لروعةُ بيان لدى القوم أنْ فرّقوا في عبارات الزجر بين الجمل البالغ والبكر منه!
الزَهزَقَةُ: تَرْقِيصُ الأمِّ الصّبِيَّ، والزّهزاقُ: اسمُ ذلكَ الفِعْلِ، والزَّهْزَقَةُ أَهمَله الجَوهرِي، وفى النَّوادِرِ: شِدَّةُ الضَّحِك وكذلِك الدَّهْدَقَةُ، ويُقال: هو الإِكْثار منه. وقِيلَ: هو كالقَهقَهَةِ. وقال في الوسيط: زهزق: ضَحِكَ ضَحِكاً شديدًا. وـ تكلّم بكلامٍ لا يُفْهَم. وـ زهزق الصبيّ: رقّصـه.
وسوم: العدد 916