اللسان العربي لسان كل مسلم بالضرورة مهما كان لسان نشأته
من المعلوم أن إرادة الله عز وجل هي السر في اختيار اللسان العربي لتبليغ رسالة الإسلام للعالمين، وهذه قناعة راسخة لدى كل مسلم مهما كان لسانه أو عرقه أو لونه . أما من لا يعتقد هذا الاعتقاد فله أن يقول ما شاء في لسان الرسالة الخاتمة مع أن قوله لن يغير شيئا من حقيقته وإنما يزيد المسلمين قناعة بأنه إرادة الله سبحانه وتعالى.
والذي يربط كل مسلم باللسان العربي هو القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لأن بهما يتحقق إسلامه . وقد يتأتى له أن يحقق ما شاء من الأهداف في حياته بكل الألسنة البشرية لكنه لن يحقق بعض الأهداف إلا باللسان العربي ،ذلك أنه إذا أراد الوقوف بين يدي خالقه سبحانه وتعالى لمناجاته إنما يناجيه في صلاته باللسان العربي ، ولا تصح مناجاته إلا به كما أراد له ذلك خالقه الذي حدد له صيغة المناجاة في فاتحة الكتاب التي لا تصح صلاة بدونها وفي غيرها من السور ، وهي مفتاح المناجاة التي تبدأ بحمد الخالق سبحانه وتعالى يليه بعد ذلك إقرار بربوبيته للعالمين مع الثناء على رحمته التي وسعتهم جميعا ، ثم مع الإقرار بملكه ليوم الدين ، وبأحقيته بالعبادة لأن به يستعان ، وهو الهادي إلى صراط المستقيم الذي يلتزمه المنعم عليهم من عباده المؤمنين حين يتنكبه الضالون المغضوب عليهم بسبب ضلالهم .
هذه هي المناجاة التي ارتضاها الله عز وجل لمن يريد الوقوف بين يديه ، وتكون حتما باللسان العربي لا بغيره ، الشيء الذي يعني أن لسان العالمين في حال المناجاة هو اللسان العربي بالضرورة . والبشرية مدعوة بأمر صريح من خالقها لترتيل آي رسالته إليها باللسان الذي اختاره لتبلغ لهم به ، وبناء على هذا لا يجب أن يكون هذا اللسان موضوع جدل بيزنطي لا طائل من ورائه ، و هو جدل كل ما يراد به عند من يخوضون فيه هو الإصرار على أنه مجرد لسان كباقي الألسنة علما بأنهم يعلمون أنه إنما اكتسب صفة العالمية من عالمية رسالة الله عز وجل الخاتمة ، ولهذا لا مبرر ولا معنى للزج بهذا اللسان في صراع مع غيره من الألسنة بدوافع عرقية أو إيديولوجية أو سياسية أو حزبية ...
واللسان العربي يؤدي كل ما تؤديه باقي الألسنة من أغراض ، ولكنه يتفرد ويتمبز بأداء الوحي الإلهي ، وهو ما أكسبه الإعجاز الذي لم يستطع بلوغه من قبل أن يصير مبلغا لهذا الوحي . ولقد تحدى الله عز وجل عموم الخلق إنسا وجنا بمن فيهم أصحاب هذا اللسان بأن يرقوا به إلى المستوى الذي رفعه إليه الوحي . وفضل الوحي على اللسان العربي أنه كشف عن طبيعته حيث كان منطلق كل من حاول وصفه والتقعيد له . وكان الواصفون والمقعدون له يعرضون كل توظيف وظفه الناطقون به على توظيف الوحي له، فيقر توظيفهم طبيعته التي لم تكشف قبل كشف الوحي عنها ، ولا أدل على ذلك أن يكون أشهر واصف ومقعد له فارسيا وهو سيبويه رحمه الله تعالى ، وقد تابعه في وصفه وتقعيده له غيره من الناطقين به ومن غير الناطقين به . ولا يخلو وصف الواصفين أو تقعيد المقعدين له حين استعراض توظيف الوحي له من سرد بعض نماذج توظيف الناطقين به من المشهود لهم بجودة التوظيف ، ولا يسعهم بعد ذلك إلا القول : " لله المثل الأعلى في توظيفه للسان العربي " .
ولا يحاول التسوية بين توظيف الوحي للسان العربي وبين توظيف غيره له إلا جاحد بالوحي وهو حينئذ إما جاهل بذلك أو مستيقن به لكنه مكابر . وتوظيف الوحي لهذا اللسان حجة على كل توظيف سواه إلا أن العكس لا يصح ، وكل ما يمكن أن يثبته غيره أنه توظيف معجز .
وفي الأخير نؤكد أن اللسان العربي هو لسان كل مسلم بالضرورة والناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وألسنتهم سواء في ذلك تماما كما يكونون سواء في تشهدهم وصلاتهم وصيامهم وحجهم وزكاتهم . ولا مندوحة لمتحدث بأي لسان أن يعود إلى اللسان العربي في أحوال خاصة معلومة لا يفيده فيها غيره ولا يسعفه، لأنه لا يمكن لهذا الغير أن يسد مسده .ومن أراد أن يتأكد من هذا فعليه أن يقارن بين المنقول من الوحي باللسان العربي وبين ترجمته في كل الألسنة .
وسوم: العدد 917