مَن ذاقَ عَرفَ !
الذوق وسيلة من وسائل المعرفة ، كسائر الحواسّ : السمع والشمّ والبصر واللمس ! فبها تكتسَب الخبرة والتجربة ، وبها تعرف طعوم الأشياء وروائحها .. كما يُعرف مايقع عليه البصر من أجسام ، وما تتذوّقه الألسنة من موادّ : باردة وساخنة ، وحلوة ومرّة !
وإذا وقفنا عند الذوق ، وجدنا ماهو مادّي ، وما هو معنوي ، كسائر المحسوسات ! كما نجد منها الحسن والسيّء ، كسائر المحسوسات ، أيضاً !
وإذا كان المادّي معروفاً للبشر، فسنقف عند المعنوي ، قليلاً :
يروى عن الزاهد المعروف إبراهيم بن أدهم ، أنه قال : لو عرف الملوك ، مانحن فيه من اللذّة ، لجالدونا عليه بالسيوف ! ويقصد لذّة الصلة بالله ، عزّوجلّ ! واللذّة ، هنا ، روحية ، لا يتوصل إليها الناس بالحواسّ !
كما أن من أنواع اللذّة ، لذّة المعرفة ، وهذه يُتوصل إليها بالعقل ، الذي اكتسب خبرات ومعارف ، فبات يميز الحسن والسيّء ، والرديء والقبيح ، والسامي والهابط !
ونقف عند نوع خاصّ من اللذّة ، هو لذّة السلطة :
عمربن الخطاب ، خليفة المسلمين ، بعد أن طُعن ، نُصح بأن يولّي أحد أبنائه الخلافة من بعده ، فقال : يكفي آل الخطّاب ، أن يحمل واحد منهم أعباء المسلمين ! فهو لم يعرف من السلطة ، سوى أعبائها !
أمّا عشّاق السلطة الحاليون ، فلا تحمّلهم السلطة أعباء ثقيلة ، لأنهم بين واحد من اثنين :
حاكم : استلم السلطة بطريقة شرعية ، عبر الانتخاب الحرّ النزيه .. مقيّد بقوانين تمنعه من التصرّف بالمال العامّ ، ومن سوء استعمال السلطة ، أو استغلالها لمصلحته ، ومصالح أهله ومحسوبيه ! وهو مراقَب من قبل الأحزاب الأخرى ، ومن قبل وسائل الإعلام ، التي ترصد حركاته وسكناته ! وغالباً ما يحرص هذا وأمثاله ، على السلطة ، لتنفيذ برامج ومشروعات معيّنة ، للشعب والوطن !
وحاكم : استولى على السلطة بطريقة غير مشروعة ، مثل الانقلاب العسكري ، وما في حكمه .. وانفرد بالسلطة ، وصار حاكماً بأمره ، وبات أعوانه يتحكّمون بالبلاد والعباد ، ويستولون على الأموال العامّة والخاصّة ، ويتلذّذون بما توفّره لهم السلطة ، من لذّات ؛ كبناء القصور، والسفر بالطائرات الخاصّة ، وتكليف الناس بأن يقاتلوا ، دفاعاً عن كراسي حكمهم .. وغير ذلك !
فهؤلاء الحكّام ، الذين ذاقوا طعم هذا النوع من السلطة ، لديهم استعداد، لأن يُفنوا شعوبهم، ويدمّروا أوطانهم ، للمحافظة على سلطاتهم ! وأيّ حوار معهم ، للتخلي عن بعض سلطاتهم لشعوبهم ، هو مجرّد ثرثرة ؛ إلاّ أن يُجبروا إجباراً ، على التخلي عن السلطة ، كلّها أو بعضها ؛ بحسب القوّة المجابهة لهم ، والتي تملكها الشعوب .. حين تجيد استعمالها !
وسوم: العدد 918