إيمان الشعراء
"ولكنه صَوبُ العقول إذا انجلَت سحائبُ منه أُعقبَت بسحائبِ"،
لولا أن الشعر عنده هو لسان إيمان الشاعر، وكل إناء بما فيه ينضح! وإنما ترجحُ كلمةُ الإيمان هنا غيرَها، من حيث ينبغي أن يترسخ في رُوع الشاعر رأيُه في نفسه وفي الناس وفي الكون، بتحصيل علم الوجود الذي تتجلى به جهاتُ حركةِ الثلاثةِ الثلاثُ (جهةُ مِنْ [المبدأ]، وجهةُ الباء [المسير]، وجهةُ إِلى [الغاية])، ولا يترك نفسه للآراء العارضة التي لا يقر له معها قرار.
ربما ظنَّ ظانٌّ أن تحصيل ذلك من شأن العلماء المشتغلين وحدهم بالاكتشاف والوصف والتفسير والتنبؤ والتحكم -ومن العلماء الفلاسفة- ولو اطلع على توفيق الشعراء، من ذلك إلى ما لم يُوفق إليه العلماءُ أنفسُهم لأَكذبَ ظنَّه، ولأضاف إلى سبيل تحصيل الحقيقة التي يعرفونها، سبيلا أخرى يعرفها الشعراءُ وحدهم، منهجُها التذوق الذي يُوفق به كلُّ من وُهب موهبتَهم الاستشعارية.
يسعى الشعراء سعي السالكين قبلهم -مهما كانت أزمنتهم وأمكنتهم- ويصحبون غيرهم، ويتأملون أنفسهم ومن حولهم وما حولهم، ويستنبطون كنه المبدأ والمسير والغاية، ويتملَّؤون بما استنبطوا؛ فلا يفيض إلا به شعرُهم، لا، ولا يمتاح إلا منه، ولا يدور إلا عليه، عفوا لا قصدا، وقصدا لا عفوا، حتى إنهم ليُنسبون إلى إيمانهم، مهما هفَت منهم هفواتُهم، ومهما اشتطَّت بهم شهواتُهم!
وسوم: العدد 920