الغزو الثقافي يمتدّ في فراغـنـا (محمّد الغزالي)
رصد كتاب
المؤلف: إنه الشيخ محمد الغزالي، عَلَمٌ كبير من أعلام الفكر الإسلامي الحديث. وُلد في مصر عام 1917م، وأسهم في حقل الدعوة الإسلامية مدة تزيد على نصف قرن.
تخرّج في الأزهر عام 1941م، وشغل عدداً من المناصب الدينية في مصر، ودرّس في جامعات الأزهر والسعودية وقطر، كما انتدبته الجزائر لإنشاء الجامعة الإسلامية فيها.
له ما يزيد على أربعين مؤلَّفاً، في عرض الإسلام وفكره وثقافته، وفي الردّ على أعدائه. وتمتاز مؤلفاته بسَعَة الأفق، وعُمق النظرة الفقهية والحركية.
المحتوى: يحتوي الكتاب على مقدّمة وثلاثة عشر فصلاً:
- المقدّمة: تَشيع بين المسلمين أفكار وتقاليد على أنها تعاليم إسلامية. والحق أن الإسلام بعيد عنها. وعلى المسلمين أن يحاكموا أوضاعهم إلى الوحي.
هناك فراغ حقيقي في النفس الإسلامية المعاصرة، لأن تصورها عن الإسلام طفولي وسطحي، يستقي من عهود الاضمحلال العقلي، وكأن بينه وبين عهود الازدهار ثأراً!.
- الفصل الأول: الإسلام دين المفكرين.
الذين يحترمون نعمة العقل يُنصفون الإسلام. فنابليون بونابرت، قد صرّح وكَتَبَ في منفاه، أن الإسلام أصلح قاعدة لبناء أعظم دولة. والفيلسوف فولتير تزعّم عقيدة التوحيد في عصره، ودافع عن الإسلام حتى حرّم القساوسة دفنه...
- الفصل الثاني: هل يتجهون نحو دين طبيعي؟.
على الرغم من ضعف المسلمين وتخلّفهم، يُقبِل كثير من العقلاء على اعتناق الإسلام. وإن سرّ ذلك هو كونه دين الفطرة، والعالم يبحث عن دين طبيعي وإيمان فطري وتعاليم يرتضيها العقل الحرّ.
- الفصل الثالث: حضارة باقية حتى يجد خصومُها البديل.
إن "الحضارة الغربيّة" بِشِقّيها الرأسمالي والشيوعي، بإيجابياتها المتمثّلة في التقدّم التكنولوجي، وبسلبياتها الناشئة عن بُعدها عن الله، وتسخيرها العلوم في الدمار وإشاعة الخوف والظلم... هذه "الحضارة" باقية حتى يأتي البديل. وإذا كان البديل هو الإسلام فإن المسلمين اليوم عاجزون عن قيادة أنفسهم فضلاً عن قيادة العالم. ولا بد أن يعودوا إلى دينهم وقيمهم ليكونوا أهلاً لقيادة العالم.
- الفصل الرابع: التحدي الثقافي.
المعركة بين العالم الإسلامي وخصومه، كانت شرسة على مرّ العصور، وذلك لما تحمله قلوب الخصوم من ضغائن على الإسلام والمسلمين. لذلك ركزوا جهودهم على الغزو الثقافي ليُصيبوا العلوم الدينية واللغوية والأدبية بمقتل، وليخرّجوا أجيالاً من المسلمين تحيا لتأكل، ولا يعنيها شيء وراء ذلك من أمور الدنيا أو الدين.
إنه تحدّ ثقافي امتدّ في فراغنا الديني والعقلي بسبب جهل المسلمين بدينهم، وتملّق بعض علمائهم لأصحاب النفوذ، وجمودهم على مفاهيم يأباها العقل.
أما التحدي الثقافي البديل فيكون بالنهل من مصادر الإسلام الأصيلة، والتفريق بين اليقينيات والظنيات... ودراسة التاريخ الفقهي والسياسي دراسة اعتبار واستفادة.
- الفصل الخامس: تديّنٌ يكره الحضارة، وحضارة تكره التديّن.
مما أفسد مجتمعاتنا، وجَعَلَها في ذيل قافلة الأمم أن تجدَ فيها متديّنين متزمّتين ينفّرون الناس من حبّ الإسلام، و"متغرّبين" علمانيين لا يعترفون بقيمة الإسلام.
- الفصل السادس: تجاهُل العارف أم تجاهُل الماكر؟.
هناك أساليب ماكرة للفئات العلمانية التي ربطت نفسها إلى عجلة الغزو الثقافي لأمتنا. فهي تبدل الأسماء وتتلاعب بالألفاظ لتمرير ما تريد من أفكار. إنها تريد أن تطبّع نفوسنا على تقبُّل الغزو الفكري حين تسمّيه تلاقح أفكار وتلاقي حضارات، وتتجاهل أن ظروف المعركة غير متكافئة.
- الفصل السابع: غزو مزدوج وأمّة تائهة.
دأبَ الغزاةُ وأذنابهم العلمانيّون على الكيد لأمّتنا. فبعد الغزو العسكري عملت التربية الفاسدة والثقافة المغشوشة على تخريج أجيال ضائعة. وأسهمَ بعض السذّج من "علماء المسلمين" حين توفّروا على الغوص في بحث أمور جزئية كان الأوّلون قد أشبعوها دراسةً.. وتركوا النظر في قضايا السطو على عقيدة الأمّة وحقها في التفكير وتقرير المصير ورفع الظلم والطاغوت عن كاهلها.
- الفصل الثامن: ميراث الأرض لمن؟.
قال تعالى: (ولقد كَتَبْنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض يَرِثُها عبادي الصالحون). فإن كانت الأرض هنا هي أرض الآخرة، كما قال معظم المفسّرين، فإن الصالحين الذين يرثونها هم المؤمنون المتّقون العاملون بمنهج الله. وإن كانت الأرض هي المراد بقول الله تعالى في الآية الأخرى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها)، فإن الصالحين الذين يرثونها هم الذين قاموا بحقِّ هذه الوراثة جداً واجتهاداً وعملاً وفكراً، ولم يكتفوا بعبادة المحراب، وإنما عبدوا الله كذلك بما يقيم دولة ويحفظ حقوقاً، ويتصدّى لكل قوةٍ تريد النيلَ من الإسلام والمسلمين.
إن المسلم الجدير بوراثة الأرض هو مَن كان على عبادة وتقوى، وعملٍ وإنتاج. وقد قصَّ الله تعالى نبأ عبده داود الأوّاب، الذي ينسج الدروع ويجيد الصناعة. فلقد كان صاحب نوبة وإنابة، تَهُمُّه فيها صناعة القوة، فيجعل من نفسه أحد صنّاعها، حتى ألانَ اللهُ تعالى له الحديدَ.
- الفصل التاسع: أمّة وارثة أم موروثة؟.
إنّ واقع الأمة الإسلامية اليوم يظهر أنها خاملة، تستجدي رغيف الخبز من أيدي أعدائها، وأعداؤها يملكون أسباب القوة. فهي اليوم في وضع الأمة الموروثة إلى أن تقوم بحقوق الخلافة في الأرض فتكون الأمة الوارثة.
- الفصل العاشر: قصة قديمة جديدة.
العلماء الدعاة الذين يُعرُّون الباطل يتعرّضون للبلاء الشديد. وأصحاب الباطل ينطلقون في مهرجان من التقدم التعلمي، وتنهض لأخطائهم أعذار، ولِعِوَجِهم حُجج.
وحين تُهدَر حقوق المسلمين، ويُقتلون ويُضطهدون... تخرسُ وسائل الإعلام عن نُصرتهم.
- الفصل الحادي عشر: نباتات سامة في حقول الإصلاح.
من هذه النباتات الاعتراف بالكتاب دون السنّة، والأخذ بالآيات المكيّة دون المدنيّة، والادّعاء بأن الحدود جاءت لتُطبّق في عصر الجمل لا في عصر الذرّة... إلى غير ذلك من الأباطيل والضلالات التي تُطرح بوقاحة، وتُحمى بحراب الصليبيّة.
- الفصل الثاني عشر: متناقضات قاتلة.
من هذه المتناقضات أنه بينما يَجعل الغزو الثقافي تطبيقَ شرائع المسلمين جريمة، يؤيّد الغربيّون إقامة دولة لليهود باسم الدين.
إنّ المعركة مع اليهود لا تكون إلا تحت راية الدين، وهذا لا يكون إلا بسدّ أبواب الغزو الثقافي، وفَسْحُ المجال أمام حقائق الإسلام تنمو..
- الفصل الثالث عشر: مع إمام الدعاة محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
إنه تحفيز لهمم الدعاة، وتنشيط لأرواحهم في سبيل بعث إسلامي يَقتحم ولا يُغْزى، ينتصر ولا يستسلم.
نقد الكتاب:
- أسلوب الكتاب أدبي جميل، واضح سهل، مسبوك سبكاً متقناً، ناجح في أداء الفكرة والإقناع بها.
- لا يخلو الكتاب من مبالغات يسيرة، ناشئة عن الحماسة للفكرة الطيبة، أو النعي على الفكرة الخبيثة أو الخاطئة. وذلك عندما يكون الحديث عن الجمود والتزمّت والتقليد وضيق الأفق.
- موضوع الكتاب مهم. فالغزو الثقافي، وإن كان قديم النشأة، فإنه في تكاثُر وتفاقُم، والتحذير منه من أهم واجبات الدعاة الغيورين.
- حبذا لو يقرأ هذا الكتاب، وأشباهه، أبناء هذا الدين ليزدادوا وعياً بالخطر الداهم.
وسوم: العدد 921