الشيخ المفسر محمد علي الصابوني في ذمة الله
في وداع الراحلين
لبى نداء ربه، صبيحة اليوم الجمعة، في دار هجرته في يلوة في تركية، الشيخ الصادع بالحق، الممسّك بالكتاب، صاحب مختصر تفسير ابن كثير ، حيث جرده من الأسانيد ، وقربه من المتعلمين، وصاحب صفوة التفاسير إلى جانب عشرات الكتب والرسائل والكثير من المحاضرات والمقامات ...
ولمقام الشيخ يوم أوقف عن التعليم في دار هجرته ، بسبب جهره بعقيدته؛ وحده مقام يكفيه بين الناس فخرا، وعند الله ، إن شاء الله ذخرا ...
ثم مقامه في نصرة هذه الثورة السورية المباركة منذ أيامها الأولى وقد نيّف على الثمانين، يقدم منتدياتها، ويدعو إلى وحدة علمائها، يجتمع إلى كبيرهم ، ويلين جنبا لصغيرهم ..
وحين نفقد هذا الجيل من العلماء الحكماء ، فإننا نفقد الدين والعلم والمنهج الذي يجمع ولا يفرق ، ويصون ولا يبدد . نفقد العلماء الحكماء الذين لا ينبذون الناس من حولهم، تفاريق، يزعم أحدهم بلسان الفتق أنه الحق، وأن على كل الرقاب أن تذعن لحضرته ، وأن على كل الواردين أن يشربوا من كفه، وإلا فهي عصا الجرم والحرم والإقصاء .. رحم الله الشيخ محمد علي ، وكتب لأهل الإسلام العصمة بمن بقي ، وزوّل عنهم المفاريح المدعين
أتذكر صورة الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله تعالى وأنا ابن خمسة عشر عاما في آخر انتخابات شرعية جرت في حلب سنة 1962 ..كانت صورته وهو كهل مكتمل مؤطرة بالهيبة والوقار تنتشر في أنحاء المدينة، مرشحا عن مدينته في مقام ثالث ما زلت أذكره له وهو يتقدم إلى طلب التفويض من أبناء مجتمعه لتمثيلهم في برلمانهم المرتقب ..
صحيح أن الشيخ رحمه الله تعالى ، لم يكتب له الفوز في تلك الانتخابات، ولكن كتب له النجاح بإذن الله ، في إثبات فاعلية الإنسان المسلم، وإيجابيته ، واستعداده للتعامل مع التحديات، وقبوله بالنتائج...
وبعض الناس يمنعهم الخوف أو الكبر من مواجهة التحديات، فيجنحون إلى فرض ذواتهم على الناس باسم السلطة أو باسم الوطنية، أو باسم الممانعة ، أو باسم السلطان الرباني، الذي يزعمون أنهم امتلكوه على الناس بمقتضى ثوبهم أو عمتهم أو شهادة الله أعلم بمَصدرها، ومصدِرها ..
التفت إلى الوراء نحوا من ستين عاما ، فأجد أسماء لامعة في سماء المدينة ، مدينة حلب الجميلة، لم يحالفها التوفيق في الحصول على ثقة أبناء المجتمع، فكان أجمل ما في الموقف قبول هؤلاء الكبار الأفذاذ ومنهم الشيخ محمد علي، النتيجة بالروح العملية الرياضية، وهذا هو الموقف الذي أحببت أن أجليه في محطة الوداع للعالم المكين الحبيب .. ليكون الدرس والعبرة والعنوان للطريقة والمنهج ، لكل الذين يناورون ويراوغون ..
اللهم اغفر لشيخنا وأخينا الشيخ محمد علي الصابوني، وارحمه، وأعل نزله ، وزده إحسانا وعفوا وغفرانا ...
اللهم عظّم أجرنا وأجر السوريين، وأجر الثوار الأحرار بوفاة الشيخ الثائر الذي لم تمنعه الثمانون من إعلان الثورة والتقدم في حمل لوائها .
اللهم اخلف رابطة العلماء السوريين التي كان الشيخ أول من يتقدم صفها، برجال على منهج الشيخ يقولون الحق، ويهدون السبيل ..
اللهم عوّض المسلمين في سورية بفقد كبرائهم وعلمائهم خيرا ، وأفدح مصيبة تنزل بالناس، مصيبة مقعد لصداع بالحق يشغر، ثم لا يجدون من يخلفه عليه ..
وخالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد أبنائه وبناته وأصهاره ...اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله ...
وإنا لله وإنا إليه راجعون ...
وسوم: العدد 921