من استغل شهر الصيام للربح غير المشروع فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ عن رب العزة جل جلاله شرط قبول الصيام بقوله عليه الصلاة والسلام : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ". والزورهو الباطل ويكون في الأقوال والأفعال على حد سواء .
ومن أنواع الزور التي تظهر عندنا في شهر رمضان زور يصيب البيوع حيث يبلغ الجشع بالباعة أوجه سواء أصحاب الجملة منهم أو أصحاب التقسيط فيلهبون أسعار المواد الغذائية لتصل إلى المستهلكين نارا حامية . وحافز الباعة على طلب الربح غير المشروع هو طغيان عادة الاستهلاك في شهر الصيام الذي من المفروض أن يقل فيه الاستهلاك إلا أن العادة غلبت عندنا العبادة خصوصا وقد دأب إعلامنا على النفخ فيها قبيل حلول الشهر الفضيل حيث يتحول الاستعداد لعبادة الصيام إلى الاستعداد لعادة الاستهلاك المبالغ فيه فيصير شغل معظم الناس الشاغل هو البحث عن إشباع شهوة البطن بشكل يشيبه أو يفوق وحم الحبالى .
ومع توالي أيام شهر الصيام يبدأ مؤشر غلاء المواد الغذائية في صعود صاروخي كما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للأسماك التي لم تتوقف أسعارها عن الزيادة يوما بعد يوم في بلد له بحران ـ يا حسرتاه ـ والذي من المفروض أن تكون الأسماك فيه رخيصة خلال شهور السنة ، وتكون أرخص في شهر الصيام .
وباستثناء المواد الأساسية الخاضعة للرقابة ، والتي عرف بعضها زيادة في الأسعار قبيل شهر رمضان كما هو الشأن بالنسبة لزيت المائدة لا وجود لرقابة على غيرها من المواد كالخضر والفواكه ، ولا وجود لمن يحمي المستهلكين .
وما يعنينا من إثارة هذا الموضوع ليس مجرد شكوى من غلاء أسعار المواد الغذائية كما جرت العادة في هذا الشهر المبارك بل التنبيه إلى ما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فساد عبادة الصيام بالنسبة لمن يمارس الباطل قولا أو فعلا . وهل يوجد باطل أقبح من بحث التجار بنوعيهم أصحاب الجملة وأصحاب التقسيط عن الربح غير المشروع في تجارة المواد الغذائية خلال شهر عبادة الصيام ؟ وكان المفروض فيهم أن يتقوا الله عز وجل في شهر تفضل به سبحانه على عباده المؤمنين لتحقيق هدف التقوى في أيام معدودات غير قابلة للتضييع نظرا لقلتها ، ولكونها فرصة ثمينة تغتنم ولا تفوّت .
ولا شك أن المسؤولية عن شيوع غلاء المواد الغذائية في شهر الصيام هو غياب الوعي بحقيقة عبادة الصيام عند البائع والمستهلك على حد سواء، ذلك أن الله عز وجل تعبدنا بها لننصرف عن شهوة الطعام والشراب ولنتزود بخير زاد وهو التقوى نحن في أمس الحاجة إليه بعد قضاء حول كامل في إشباع شهوة الجسد على حساب سمو الروح التي بها يتبوأ الإنسان المؤمن مكانة التكريم والتفضيل .
وتحقيقا للمرجو من عبادة الصيام يجب على الباعة جملة وتقسيطا أن يصونوا صومهم بالإقلاع عن شهوة الربح غير المشروع ، كما يجب على المستهلكين أن يصونوا صومهم بالإقلاع عن المبالغة في إشباع شهوة البطن، وهو ما يقطع الطريق على جشع الباعة ، ويجعل الأسعار مستقرة في الشهر الفضيل ، ويحول ذلك دون استهدافه من طرف بعض السفهاء الذين يحاولون تحميله مسؤولية الغلاء وهو منها براء .
ونختم بالقول إن انشغال الصائمين بالتفكير في شهوة البطن يوشك أن يفسد عليهم صومهم ،لأن المفروض أن ينسيهم هذا الأخير تلك الشهوة ، وقد سمت أرواحهم عنها. ومن شغل بشهوة البطن عن الغاية من الصوم، وهي التزود بخير زاد ، فإنه يصير عبدا لها و ضحية لجشع الباعة لا يختلف وحمه عن وحمهم، فهم يقبلون على إشباع نهمهم من شهوة الربح غير المشروع تماما كما يقبل هو على إشباع نهمه من شهوة الطعام والشراب وهو كلما اشتهى اشترى لا يبالي بغلاء غافلا عما يجب أن يكون عليه من قوام في إنفاقه دون لا مسرفا ولا مقترا .
وسوم: العدد 926