عادة القراءة
قبل ثلاثين عاما ونيف سافرت أنا والأستاذ نهاد عوض المدير العام لمجلس العلاقات الامريكية الاسلامية وثلة كريمة من الاصدقاء الذين لهم بصمات واضحة في محيطهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الى ايطاليا رغبة في تحقيق أحلامنا الشبابية الحالمة الطائرة!
إذ تم تغذية عقولنا الصغيرة وافكارنا الغضة آنذاك بأنه إذا أردت المجد تجمعه من أطرافه شهرة ومالا وجاها وسلطانا عليكم بالطب والهندسة ولا ترضوا عنها بديلا!
ولهذا رأيت اصحاب العلامات المتواضعة وربما الراسبون أو حاملو التوجيهي الادبي وغيره يقبلون بشغف على دراسة العلوم التطبيقية كالطب والهندسة حتى وإن أفنوا فيها جل أعمارهم في بلاد همها الاول -لهؤلاء الاجانب- غسيل أدمغتهم ومحو ثقافتهم كي يعودوا لبلدانهم حاملي شهادات ورقية بسلوكات وأفكار غربية إلا من رحم ربي؛ ليسهل على المستعمر قيادة بلدانهم وتسييرها حسب مخططاتهم ورؤاهم ضد حرية الشعوب وكرامتها!
ما إن وطأت أقدامنا أرض ايطاليا حتى يقابلك اهلها منهمكين في القراءة، كل يمسك بتلابيب كتاب او مجلة يناغيه ويناجيه.. في صالات الانتظار في المطار في الحافلات في القطارات وعلى مقاعد الحدائق المنتشرة بكثرة في أرجائها!
يشدك هذا المشهد وتقول في نفسك كيف تأتى لكل هؤلاء ذكورا واناثا صغارا وكبارا أن تكون لهم مثل هذه الهواية الجميلة هواية القراءة والسياحة مع الكتاب فكرا وثقافة واستجماما ومتعة! والقراءة هي بداية الحضارة والتطور وزعامة العالم!
حتى أنني أذكر أننا عندما ركبنا القطار لأول مرة من روما باتجاه مدينة تعليم اللغة الايطالية «بيروجا» التي تبعد حوالي ساعتين ونصف بالقطار شمال غرب روما!
أذكر أننا كنا نتقافز فرحا وسرورا من عربة الى عربة وتأخذنا النشوة في مداها وتغرينا بأن نخرج رؤوسنا من نوافذ القطار مغردين ألحانا ونطلق من بين ألسنتنا صفيرا وأنغام الدهشات، بينما الايطاليون كل ممسك بكتابه او مجلته او كلماته المتقاطعة او صحفيته يقرأ ويناغي ويناجي غير عابئ بإزعاجنا وشقاواتنا!
بقي هذا السؤال يتردد في داخلي ويجوب آفاق نفسي ولم أجد له جوابا سوى امس، حيث تلقيت وزوجتي وكل آباء وأمهات طلبة الحضانة والصف الدراسي الاول في مدرسة حينا هنا في تورنتو بأن علينا الحضور لمشاركة اطفالنا في تعليمهم القراءة وفنونها وأساليبها واستراتيجياتها!
بقي هذا السؤال يتردد في داخلي ويجوب افاق نفسي ولم اجد له جوابا سوى امس حيث تلقيت وزوجتي وكل اباء وامهات طلبة الحضانة والصف الدراسي الاول في مدرسة حينا هنا في تورنتو بان علينا الحضور لمشاركة اطفالنا في تعليمهم القراءة وفنونها واساليبها واستراتيجياتها..!!
لبيت الدعوة شاكرا ويهتف في داخلي سؤالي قبل نيف وثلاثين عاما وأن هل يا ترى ساجد له اجابة..؟؟!!
دلفنا للمكان المعد لهذا النشاط واذ به مجهز بكل ما من شانه يحببك في القراءة والكتاب من لوحات وصوتيات ومسرح حالم وجيء بالبراعم الصغار صفوفا منتظمة متناسقة تبهج العين وتسر القلب بهذا النظام والتنظيم الذي يغرسونه في عقولهم الغضة كي يكبروا وينشأوا عليه..!!
اعدت المدرسة لهذا النشاط اعدادا متميزا واستضافت احدى كاتبات قصص الاطفال الشهيرات في كندا واخذت هذه القاصة بسرد قصصها على الطلبة باسلوب شائق ماتع جعلت الاطفال يرددون خلفها ما يسمعون منها باصواتهم الطفولية الجميلة تصاحبها حركات ايديهم ونظرات اعينهم مما يجعل من المشهد كله لوحة اخاذة ساحرة لا تجعلك فقط تقبل وتحب القراءة بل وتعشقها عشقا ..!!
حيث بعد ان انهت القاصة سردها لحكاياها اذ بكل طفل وطفلة يمسك باحدى القصص وياخذ بقراءتها بنشوة ومتعة سررنا بها جدا نحن الاباء والامهات..!!
عند هذه اللحظة راودني سؤالي القديم حيث كانت اجابته في اعين الصغار وفي ما تحمله ايديهم . اذ ان عادة القراءة تبدأ منذ نعومة الاظفار وتنمو بنموهم وتطور تفكيرهم اذ يكون الكتاب او القصة او المجلة رفيقا دائما وصديقا مقيما معهم تجده في حقيبة الطعام او في سلة المشتريات او حقيبة التنزه او في حقيبة السفر وفي جيوب المعطف ..!!
فهل نعي هذا نحن امة اقرأ ..؟؟!!
وسوم: العدد 926