قصصُ العُروج (١٥٣) عقلانية الدعاء
عقلانية الداعين!
لقد عانى فتية الكهف من كافة أنواع المرارات من قومهم الذين جرعوهم إياها، حيث تولوا اضطهادهم وحاولوا قتلهم، وكان الفتية في أشد الحاجة إلى استجلاب تأييد الله ونصره لهم، لكنهم لم يدعوا الله بأن يهبهم النصر ويمنحهم التمكين من أول صدام، فقد رأوا أن النصر الذي ينبغي أن يتم عبرهم، له أسباب عديدة وأهمها غير موجودة عندهم، ولذلك لم يطلبوا النصر في دعائهم وإنما طلبوا هدايتهم للأسباب المسؤولة عن صناعته، حيث قالوا: {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا}، ذلك أن امتلاكهم الرشد سيمنحهم البوصلة التي تسير بهم في طريق النصر وترتقي بهم في مدارج الارتفاع نحو التمكين.
إنهم يعرفون تماما أن الله على كل شيء قدير، وأن بإمكانه إطلاق كلمة (كن) التي تجعل المستحيل ممكنا، لكنهم يدركون أيضا أن مشيئة الله تقضي بأن تنفذ قدرته من خلال السنن وتسري إرادته من خلال الأسباب التي أوجدها تعالى في الحياة، وتعبّدهم بالأخذ بها والعمل من خلالها، ولذلك فقد دعوا الله أن يهيئ لهم الفكر الراشد الذي يمكنهم من ترتيب الأولويات ومن وضع أقدامهم في الأماكن المناسبة،حتى يسيروا بخطى حثيثة ثابتة نحو النصر المأمول!
*التأدب في الدعاء:*
كان الأنبياء شديدي التأدب مع ربهم، حتى أن بعضهم، رغم معرفتهم بأن الله يحب من عباده أن يسألوه حوائجهم، إلا أنهم استحوا أن يطلبوا منه أن يدفع عنهم ضراً أو يمنحهم نفعا بشكل مباشر، مكتفين بعرض حالاتهم وإبراز ضعفهم ووصف وجعهم.
فهذا كليم الله موسى حينما وصل إلى منطقة مدين خائفا من فرعون وقومه، وكان يعاني من لسع الجوع وإرهاق السفر وفقدان المأوى، فناجى ربه قائلا: {ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، فلم يحدد ما يريد واكتفى بذكر الحاجة والألم.
وهذا نبي الله أيوب قد أصابته الأمراض حتى أقعدته عن الحركة بضعة عشرة سنة، فقال لربه: {ربي إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين}، وتذكّر يونس ذنبه وهو في ظلمات ثلاث: الليل والبحر وجوف الحوت، فنادى ربه: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.
اللهم أعنا على استثمار الأسباب وامتلاك أدب الدعاء.
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 926