هتافات الثائرين الفلسطينيين في وجه المعتدين الإسرائيليين

الهتاف مثلما يعرفه المعجم اللغوي هو : " الصوت العالي يرفع تمجيدا أو استنكارا " ، وهو ، مثلما نلحظ ، تعريف دقيق ، فالإنسان يرفع صوته إذا مجد شخصا أو شيئا ، وإذا استنكر عمل شخص أو شيئا ما . والغالب في الهتافات أن تكون جماعية حاشدة غضبا على معتد محتل ، أو على حكومة وطنية ، أو للمطالبة بحقوق مهنية مهضومة ، وسواها من موجبات الهتافات . ولأن الشعب الفلسطيني نكب باحتلال استيطاني إحلالي لا شبيه له في عدوانيته وتنكره المطلق لحقوق هذا الشعب ؛ تعاقبت الهتافات الفلسطينية ثورة وغضبا على هذا الاحتلال في الضفة وغزة وفي الداخل الفلسطيني منذ أن جثم على صدر فلسطين . وأطلق الثائرون الفلسطينيون في انتفاضة القدس الحالية ، ومناصروهم من إخوانهم في الداخل الفلسطيني هتافات غضب وتحدٍ وثقة في النصر القريب تسر قلب  الصديق وتغيظ قلب العدو ، وتفصح إفصاحا مبينا عن صلابة الشعب الفلسطيني وصرامة إيمانه بحقه في وطنه الأبدي ، وبأن المستوطنين المهاجرين الغزاة غمامة عابرة في سماء هذا الوطن الطاهرة الحرة . والهتاف قد يصاغ مسبقا ، وقد يرتجل في فورة الحراك الجماعي . وتستوجب الحالة الثانية وجود شخص بين الجماهير قادر على الارتجال لتردد وراءه ما  يرتجله أو وراء من يكلف برفعه إذا كان المرتجل  ضعيف الصوت . ونظرت في بعض الهتافات التي هدرت بها حناجر الثائرين الفلسطينيين في انتفاضة القدس ذاتها ، وفي أم الفحم في المثلث الفلسطيني ،وفي شفا عمرو في أسفل الجليل . ننظر بدءا في هتاف ثائري أم الفحم التي يكنيها أهلها محقين محبين أم النور ، وليتهم يتخذون هذه الكنية  اسما رسميا لها . الهتاف هو : " من أم الفحم تحية لقدسنا الأبية ، سامع يا صهيوني سامع ؟! جاي تسكير الشوارع . دوار الزمن دوار ، وبعد الليل ييجي نهار . من تحت الردم بنقوم ، بنولد من تحت الدمار . جنة ! جنة ! جنة ! تسلم يا وطنا ! من أم الفحم تحية لأهل القدس الأبية . " . يتكىء الهتاف فنيا على السجع ، وهو من خصائص الهتافات لمنحها وقعا صوتيا يهز الأسماع ويهيج العواطف ويحمسها . وينوع صائغ الهتاف بين أصوات سجعه أو فواصله تبعا لتنوع المعاني التي أحب التعبير عنها . ويستهل ببيان وحدة الشعب الفلسطيني : " من أم الفحم تحية لقدسنا الأبية . " ، ف " القدس " " قدسنا " ، قدس كل الفلسطينيين . وثقة صائغ الهتاف لا حد لها في شعبه ، وحتمية انتصاره على مستلب وطنه : " سامع يا صهيوني سامع ؟! جاي تسكير الشوارع " ، وينتفع في مضمون هتافه من الحقيقة المطلقة التي هي استحالة ديمومة حال من الأحوال ، وأن الثابت في الوجود الكوني هو التغيير الذي يجسده التعبير القرآني المحكم الموجز : " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، فيؤكد : " دوار الزمن دوار ، وبعد الليل ييجي نهار . " ، ولا يلقيه سوء الحال فلسطينيا وعربيا في هاوية القنوط ، فيهتف واثقا : " من تحت الردم بنقوم ، بنولد من تحت الدمار . " ، والولادة رمز بدء حياة جديدة موارة متوهجة . وقلب صائغ الهتاف مطمئن إلى تحقق وعد الله _ جل قدره _ بالجنة ثوابا للشهداء ، فيردد : " جنة ! جنة ! جنة ! " مكررا لفظها ثلاث مرات توكيدا لهذه الثقة المشعرة بقوة إيمانه ، وإيمان الجماهير التي تردد ما صاغه هاتفة . ويدعو لوطنه الفلسطيني بالسلامة ، فيخاطبه محبا وفيا منتميا : " تسلم يا وطنا ! " ، وفي حذق فني يختم بما استهل به : " من أم الفحم تحية لأهل القدس الأبية " ،ولم يضف إلى الختام سوى كلمة : " أهل " ، وهي إضافة معنوية موفقة بين بها من هم أهل القدس الحقيقيون . إنهم الفلسطينيون ، ومن يؤازرهم صادقا من عرب ومسلمين . والهتاف الثاني من شفا عمرو ، وصورته التعبيرية : " يا قدس لا تهتزي ! كلك عروبة وعزة . " . يطالب القدس بالصمود ، ويعلل طلبه بأنها كاملة العروبة والعزة ، وفي كمال عروبتها نفي لأي هوية أخرى لها ، وفي  كمال عزتها حض على رفض أي إذلال يريد الغرباء المغتصبون فرضه على روحها الحرة . والهتاف الثالث من القدس ذاتها ، وصورته التعبيرية : " بلا سلمية بلا بطيخ ، بدنا حجار وصواريخ ، يا أقصى إحنا جينا ، والشرطة ما تثنينا . " . صائغ الهتاف يرفض ساخرا الأسلوب السلمي  مع العدو الذي لا يستعمل مع الفلسطيني إلا القوة والنار ، ويحث على قتاله بالحجارة والصواريخ ، ويبشر الأقصى بمجيء الفلسطينيين للذود عن وجوده وقدسيته : " يا أقصى إحنا جينا . " وفي ضمير الجماعة " إحنا " ثقة بالنفس راسخة ، وينفي الخوف من الشرطة الإسرائيلية المتوحشة العنيفة الأساليب : " والشرطة ما تثنينا . " ، وفعلا عجزت تلك الشرطة عن ثنيهم عما أرادوه من صلاة في الأقصى ومن جلوس في ساحة دمشق ، وأقر الجيش الإسرائيلي والشاباك بذلك العجز . شعب هذه هتافاته ، وهذه روحه الباسلة النارية ، وهذه ثقته بعدالة حقه في وطنه سيكون _ إن شاء الله تعالى _ انتصاره قريبا على عدوه : "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " ، صدق الله العظيم .  

وسوم: العدد 927