سيف القدس الفلسطيني يهزم حارس الأسوار الإسرائيلي
تفاجأت إسرائيل بمسار القتال في الحرب الحالية التي سمتها " حارس الأسوار " ، وسمتها حماس " سيف القدس " . فاجأتها دقة الصواريخ وغزارتها ، وإخفاق قبتها الحديدية في اعتراض كثير من هذه الصواريخ التي قصفت تل أبيب والوسط ومطار رامون في أقصى الجنوب . وفاجأها أن المقاومة تنفذ تهديدها بالرد الصاروخي فورا مثلما فعلت بعد قصف الأبراج . والمفاجأة الصاعقة البعيدة الدلالة كانت منح المقاومة مستوطني إسرائيل هدنة إنسانية من ساعتين مساء السبت ، من العاشرة حتى الثانية عشرة ليتزودوا من المحلات بحاجياتهم الأساسية ، ويعودوا بعدها إلى ملاجئهم . منح هذه الهدنة كان موقوفا على إسرائيل في عدواني 2008 ، و2014 حين كانت تمنح مواطني غزة وقتا قصيرا للتزود بهذه الأساسيات .وكانت في إعلامها وعلى ألسنة قادتها السياسيين والعسكريين تباهي بهذه المنحة ، وتعدها بيانا لإنسانيتها ورحمتها لمن تقتلهم وتهدم بيوتهم وتدمر مرافقهم . المعادلة انقلبت في هذه الحرب الضارية . المقاومة في غزة صارت هي التي تمنح مستوطني إسرائيل هدنة إنسانية ، وهو صنف من فرض الإرادة على هؤلاء المستوطنين من فوق رأس دولتهم ، ومما له رمزيته الكبيرة أنهم وثقوا في صدق وفاء المقاومة بمنحتها ، وأنها لن تفاجئهم بصواريخها وقت خروجهم .هذا الفرض للإرادة الفلسطينية على مستوطني إسرائيل بهذه الكيفية المباشرة لم يحدث من قبل . بالمقابل ، لم يكن مواطنو غزة في حاجة إلى هذه الهدنة في الحرب الحالية ، فقوة إسرائيل النارية لم تسيطر على حركتهم رغم عنف هجومها الجوي الذي تصاعد في الموجة الواحدة من 86 طائرة إلى 160 إلى 200 مترافقا مع القصف البحري والبري بمدفعية الدبابات والمدفعية المستقلة . وفي جو هذا الهجوم الضاري الشامل ، كانت صواريخ المقاومة تقصف مدن إسرائيل ومستوطناتها قصفا دقيقا في كثير من الأحيان ، أشعل النار في مصنع كيماويات في أسدود ، وعطل الحركة التجارية في هذا الميناء الذي يتم فيه أكثر من 60 % من تجارة إسرائيل تصديرا واستيرادا بما فيها ما يصل إلى الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة أو يخرج منها . ومن المعادلات التي انقلبت في هذه الحرب أن المداولات الخاصة بوقف إطلاق النار تجري مباشرة بين الوسطاء العرب مثل مصر وقطر وحماس . في الحربين السابقتين كانت هذه المداولات تجري أساسا من خلال السلطة الفلسطينية ،وفي الخلفية مقاومة غزة . الآن لا أحد يخاطب السلطة في الأمر . وهذا تحول في موازين القوى في الساحة الفلسطينية تقدمت فيه حماس مدى واسعا على فتح . ورضا الجماهير في الضفة والقدس وإعجابها بأداء حماس القتالي ،وفزعتها لنصرة الأقصى من مولدات هذا التحول الذي يقر به الإعلام العبري ،وبداهة يقر به المسئولون الإسرائيليون . وليس قليلا أن يهتف الشبان في القدس ، وأن تهتف عناصر " شهداء الأقصى " الفتحاوية : " حط السيف قبال السيف إحنا رجال محمد ضيف" . السلطة في هذا الجو النازف دما فلسطينيا والمتقد نارا ودمارا وبطولة في غزة والقدس والداخل الفلسطيني لم ترَ وسيلة للاحتفاء بالذكرى الثالثة والسبعين للنكبة إلا نفخ البلالين وإطلاقها ! سلطة من هذا الصنف من سيكون من رجالها من الشباب الفلسطيني الجديد المتعطش لقيادة وطنية تتفاعل مع تطلعاته الوطنية ؟! ومن المعادلات التي قلبتها هذه الحرب والتي سيكون لها فعل واسع وعميق في مسارات الصراع الوجودي في فلسطين ، اتساع الحديث وجديته عن قرب نهاية إسرائيل بالهجرة المعاكسة، وسبق أن تحدث عنها كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق في 2012 مقدرا أنه لن تكون إسرائيل موجودة بعد عشر سنوات ،ووافقته الرأي 16 وكالة مخابرات أميركية . المعادلة السابقة كانت غزارة حديث الإسرائيليين عن تهجير الفلسطينيين خاصة أهل غزة . وبدأ هذا الحديث فور انتصار إسرائيل في حرب 1967. ويتقل المؤرخ الإسرائيلي توم سيجف في كتابه " 1967 " عن ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل حينئذ قوله :" أويد مغادرة الجميع حتى لو ذهبوا إلى القمر . " . ومن أعراض هذا الجنون الإسرائيلي أن نتنياهو حدث مضيفيه الأوكرانيين عن ذات الهدف الشيطاني في 2019 حين زار بلادهم ، وأخبرهم عن استعداد إسرائيل للمساعدة في نقل أهل غزة إلى بلاد هجرة جديدة ! المعادلة الآن ، بتأثير كبير من إخفاق إسرائيل في الحرب الحالية ، هي أن الهجرة من فلسطين ستكون مآل الغرباء الذين جاؤوها مهاجرين معتدين لا مآل أهلها الأصلاء , كتب جدعون ليفي في " هآرتس " : " شخصيا ، أعتبر النهاية قريبة جدا منا كدولة " ، وقال أبراهام هاليفي رئيس الموساد الأسبق : " نحن على شفا كارثة ، إنه ظلام ما قبل النهاية " . وسنسمع كثيرا من مثل هذا التشاؤم حول مآل إسرائيل وقرب نهايتها بعد توقف الحرب التي تفاجأت فيها إسرائيل بما لا يسرها ، والتي انقلبت فيها معادلات دامت زمنا طويلا ، وأوجزتها صحيفة تايمز أوف إسرائيل بأنها " مكاسب تكتيكية لإسرائيل وانتصار استراتيجي لحماس " ، وبهذا يكون سيف القدس الفلسطيني هزم حارس الأسوار الإسرائيلي حتى قبل أن تتوقف الحرب التي تطيلها إسرائيل بأمل تعديل مسارها لصالحها ، وهو أمل من سراب .
وسوم: العدد 929