لا يتحقّق تحرير فلسطين إلّا بفضل سواعد الفلسطينيين أنفسهم
بين الفينة والأخرى، يشنّ العدوّ الصهيوني حربا شعواء على الفلسطينيين وييرّرها بمبرّرات واهية لا تنطلي إلّا على السذّج والحمقى والمغفّلين. لأنّ الرأي العام العربي والدولي يعي ويعلم جيّدا أنّ الأسباب الحقيقية مرتبطة في جوهرها بالمشهد السياسي الإسرائيلي وبنزوع الصهاينة إلى مزيد التنكيل بالشعب الفلسطيني. ففي كلّ مرّة يهدم الكيان الصهيوني البيوت على أصحابها ويقتّل الأطفال والنساء والمدنيين بحجّة أنّ المجاهدين يتخفّون وراء المدنيين !!! وفي كلّ مرّة أيضا يرصد الإعلام التعاطف الكبير لأحرار العالم لا مع الشعب الفلسطيني فحسب بل وكذلك مع قيادته. وفي كلّ مرّة كذلك يحرز الشعب الفلسطيني ويراكم نصرا معنويا مهمّا على الكيان الصهيوني. وفي هذه المرّة كان النصر أكثر من معنوي لأنّه تخطّى عديد الحواجز النفسية التي كانت تحول دون الاستعداد للمعركة الفاصلة. حيث صرّح رئيس الحكومة إسماعيل هنية أنّ عملية سيف القدس لها ما بعدها. ذلك أنّها تعتبر قفزة نوعية وانعطافة تاريخية في المواجهة مع العدو الصهيوني. وقد أكّد السيد هنية في كلمته أنّ المقاومة هي أقصر الطرق للتحرير والعودة و هي التي أسقطت مشاريع التوطين والتطبيع وأوهام المفاوضات وصفقة القرن ومشاريع التعايش مع الاحتلال وثقافة الهزيمة.
ويلتقي هذا النصر على قاعدة كسر الحواجز النفسية والمادية مع كلّ المبشّرات التي تبشّر بقرب نهاية الاحتلال الإسرائيلي حيث رجّح الشيخ أحمد ياسين في برنامج شاهد على العصر، في هذا السياق، أنّ زوال الاحتلال سيكون في سنة 2027. فيما رجّح الشيخ بسّام جرّار من خلال بحوثه المهتمّة باستنطاق القرآن وعلم الجمّل أنّ تكون نهاية إسرائيل في سنة 2022. ومعلوم أنّ نهاية الاحتلال لا مهربة منها. فهي ثابتة بالقرآن والسنّة. ولكن هل ستكون نهاية إسرائيل، هذا الكيان المسخ واللقيط، من خلال نهاية فجئية لمنظومة الاستكبار العالمي التي تسنده وتسانده ؟ أو من خلال تحرّك الجيوش العربية لتحرير فلسطين. أم سيكون الانتصار بأيدي وسواعد الفلسطينيين أنفسهم ؟ ذلك هو السؤال الراهن.
أعتقد أنه لا يمكن، على المدى القريب والمتوسّط، أن تكون نهاية الكيان الصهيوني من خلال نهاية منظومة الاستكبار العالمية. لأنّ الاستكبار العالمي يتناسخ من تلقاء نفسه، والكفر ملّة واحدة. وكلّما انهارت دولة عظمى خلفتها أخرى. فلو انهارت فجأة أمريكا لخلفتها الصين أو روسيا. فقد رصدنا أثناء الحرب على القطاع، كيف انحازت ألمانيا وفرنسا وغيرهما ومنعوا المسيرات المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني. كما لا يمكن أن ننتطر أن يكون التحرير على أيدي الجيوش العربية لأنّ أغلب هذه الجيوش تأتمر بحكّام معيّنين ومسنودين من منظومة الاستكبار العالمي. كما لا يمكن التعويل على المدى القريب على ثورات الربيع العربي. لأنّ أغلب هذه الثورات تمّ وأدها (ولو مؤقّتا) من طرف منظومة الاستكبار العالمي. ولم ينج من هذه المنظومة إلاّ تونس وليبيا جرّاء تراخ من النظام العالمي من أجل مصالح معيّنة ولإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
فالثورة في تونس لا تزال تصارع منظومة الاستبداد إلى اليوم. فلوبيات الفساد والاستبداد لم ترم المنديل بعد، ولم تخرج نهائيا من منظومة الحكم. وتثبت مجريات الأحداث أنّه لا يزال أمام الشعب التونسي الكثير من الوقت والجهد لكي ينخرط كلّيا في مسار النهج الثوري. فرغم مرور أكثر من عشر سنوات على الثورة، فانّ الشعب التونسي لا يزال يعيش في دائرة ظلّ الاستبداد. ولا يزال أمامه الكثير من الوقت حتّى يلتقط اللحظة التاريخية. حيث تؤكّد الأحداث أنّ الشعب ثار من أجل التنمية لا من أجل الحرية وأنّه لا يزال يفكّر ويحسّ ببطنه لا بعقله وبروحه وأحاسيسه.
فلقد تربّى الشعب التونسي والعربي كما أريد له في بيئة تصارع الهويّة ويطغى عليها اللهو والطرب والمهرجانات والحفلات وإشاعة المنكرات(في تونس يضاف لذلك تجفيف المنابع). وما زاد من تعميق أزمته أنّ العديد من الوجوه والرموز السياسية التي حملت لواء الحرية ومقارعة الاستبداد على مدى سنوات الاستبداد لم يكونوا سوى ثورجيين قاموا بتحويل وجهة الشعب من المطالبة برفع سقف الحرية إلى المطالبة برفع سقف التنمية. وبذلك حجبوا عنه الرؤية وعمّقوا أزمته الفكرية وطمسوا معالم الطريق أمامه. فبات مطالب ببذل الكثير من الوقت والجهد حتّى يستفيق ويقوّي عود ثورته ويعزّزها ويسترجع هويته أوّلا. ثمّ ليولّي وجهته قبلة القدس والمسجد الأقصى. لأنّ قضية القدس هي قضية هوية وقضية أمّة بدرجة أولى. وبخلاف ما تكرّس عموما من نقص وعي لدى الشعب العربي فإنّ قضية الشعب الفلسطيني الأولى الخالدة والمتخلّدة عزّزت بصفة مخصوصة وعيه ولا وعيه بضرورة التحرير وبحقّ العودة. فلقد عاش الفلسطينيون زمن النكبة ثمّ تشرّدوا في الشتات والمخيمات وتربّوا وكبروا تحت دويّ القصف وعربدة الاحتلال. وكلّما وضعت الحرب أوزارها وأعتقد الفلسطينيون أنهم سيركنون إلى الإطمئنان و السلم ولو قليلا إلاّ وشنّت عليهم إسرائيل حربا جديدة، إن في فلسطين أو في الشتات، فشردتهم وهجرتهم من جديد ودمرت البيوت فوق رؤوسهم وقتّلت الأطفال والنساء وأبقت قضيتهم حيّة في وجدانهم. لذلك فهم دوما على استعداد. وهم الأولى من غيرهم على تحمّل الأمانة واسترجاع الأرض ودحر الصهاينة من فلسطين لأنّ قضيتهم لا تزال حيّة في صدورهم بما يعيشونه من معاناة حقيقية تذكرهم في كلّ لحظة بقضيتهم. وعليه فإنّ السيناريو الأقرب والأنجع لتحرير فلسطين إنّما هو أن تنفجر ثورة عارمة من الداخل الفلسطيني (كل الأراضي الفلسطينية) يدب على إثرها الرعب في الصهاينة فيهربون كما هرب المخلوع بن علي ويهرعون إلى دولهم الأصلية ويتمكّن الفلسطينيون بعد ذلك من تحرير أراضيهم. قال الله تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا".
وسوم: العدد 930