أوثق عُرا الإيمان
هي قربةٌ إلى الله، تُسعدك وتكسبك رضوان الله. وإنها ليسيرة على من نوّر الله قلبه. إنها الحبّ في الله.
هناك من المؤمنين ثُلّة بلغت الكمال أو قاربته، كنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي بلغ ذروة الكمال، وكأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وخواصّ هذه الأمّة من الصدّيقين وأئمة الفقه والحديث والجهاد... فهؤلاء أولياء الله. وحبّهم وتوقيرهم ومناصرتهم، من كمال الإيمان.
وهناك، بالمقابل، الكفرة الفجرة أعداء الله وأئمة الضلال والفساد والإفساد ومَن يقتلون دعاة الحق ويحاربون شريعة الله، ويسفكون دماء المسلمين بغير حق... فهؤلاء هم العدو، ولا يكتمل إيمان المسلم إلا بكراهيتهم وبُغضهم ومحاربتهم.
وبين هؤلاء وهؤلاء طيف واسع من الناس، منهم من قارب الصنف الأول، ومنهم مَن قارب الصنف الثاني، ومنهم مَن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عسى الله أن يعفو عنهم.
والمسلم يحب في هؤلاء ما كان صالحاً من عمل وخُلق، ويكره فيهم ما كان على خلاف ذلك. ولعلّ ذلك كله من المسلّمات عند كل مؤمن. ومع ذلك قد تختلط الأمور فتدخل في ذلك المصالح الشخصية والانتصار للنفس أو الحزب أو الفئة، وتعترض العداوات والإحن، وتلتبس الحقائق بالأوهام والأكاذيب... وهنا يحتاج المسلم إلى أن يفتش قلبه فيرى: هل هو فعلاً يحبّ مَن يحبّه الله تعالى ويبغض من يبغضه الله، أم أنه قد غشّى على قلبه وساوس الشيطان وشعارات الجاهلية ومعاييرها ودعاياتها، فراح يحب أعداء الله وأهل الفسق والإجرام... ويبغض إخوةً له مسلمين، ويسوّغ ذلك بأن يبرز إيجابيات وخيرات، حقيقية أو مزيّفة، في سلوكات من يحبّهم، وقد يكونون من أعداء الله والمسلمين، ويكون فيهم من السوء والإجرام أضعاف أضعاف ما أبرزه من إيجابيات صحيحة أو مزيفة. ثم إنه قد يعادي مسلمين يعملون لنصرة دين الله... بحجة ما يذكره فيهم من معصية وخطأ وانحراف... وربما كان كثير من ذلك إنما هو من الأخطاء التي لا يكاد ينفكّ عنها البشر، لا سيما في الزمن الرديء، أو كان من الدعايات التي روّجها وألصقها فيهم أئمة الكفر والضلال.
من أجل ذلك كان على المسلم أن يدقق في حبه وبغضه، لأن ذلك من المعايير التي يوزن بها إيمان المرء. ولنقرأ، بتجرّد وتدبّر، هذه النصوص الكريمة:
1- وصف الله تعالى أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنهم: (أشدّاء على الكفّار رحماءُ بينهم). {سورة الفتح: 29}.
2- ووصف الجيل الذي يعيد الأمة إلى الإسلام، بعد وجود الردّة، بأنهم: (يحبُّهم ويحبُّونه. أذلّةٍ على المؤمنين، أعزّةٍ على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم). {سورة المائدة: 54}.
3- روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ أوثق عُرا الإيمان: أن تحبّ في الله، وتبغض في الله). حديث حسن.
4- وروى الإمامان أبو داود والترمذي، في الحديث الصحيح، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (مَن أحبَّ لله، وأبغضَ لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان).
5- وروى الإمامان البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثٌ مَن كُنّ فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار).
اللهم اجعلنا ممن يحبّك ويحبّ فيك ويأتيك يوم القيامة بقلبٍ سليم.
وسوم: العدد 933