حق المرأة في الإنسانية بكيانها القائم ..
نسرين محمود
أن التخلف هي ظاهرة ذات جوانب متعددة .,وهي ذات خطر كبير في مقاومة عملية التغيير والتطوير في بنية وتركيبة المجتمع ,فمن أهم أنواع وأشكال التخلف هو التخلف التقني والصناعي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي ,ولعل من أهم الجوانب الجديرة بالدراسة والبحث هو التخلف النفسي, ولعله فوق كل الأشياء المادية إذ أنه أسلوب من أساليب الحياة , فيزداد هذا النوع من التخلف مع كل حركة أو كل تصرف, وفي كل ميل واتجاه ,وهو الذي يحدد للإنسان موقعه ونظرته إلى ذاته .
وفي هذا السياق حاول الباحثون والعلماء دراسة الفرد من كل جوانبه ,ومدى تأثير التخلف في تكوين شخصيته والأمراض النفسية التي تصيبه ,و لعل أن المرأة وباعتبارها فرد من أفراد المجتمع وهي العنصر الأساسي لتكوين مجتمع حضاري بعيد عن التعقيد والأمراض النفسية سأحاول تسليط الضوء على بعض الدراسات التي درست بعض الجوانب المرضية التي تخضع لها المرأة في المجتمع المتخلف فتلخصت جميع الدراسات. سأحاول تسليط الضوء على بعض الدراسات التي درست بعض الجوانب المرضية التي تخضع لها المرأة في المجتمع المتخلف, وتلخصت جميع الدراسات إلى كون المرأة تتعرض لأشكال من الاختزال وسلب للإرادة (أي سلب المرأة حقها في الإنسانية والاستقلال بكيانها القائم بذاتها وإتباعها كأي أداة لخدمة نوايا ورغبات الرجل ,وللاختزال نوعان الأول: إيجابي والأخر سلبي ,أما بالنسبة إلى النوع الأول هو الاختزال الإيجابي : وهنا تكون المرأة هي تلك التي تُرفع إلى مرتبة مثالية قد تصل إلى درجة القداسة ,وتكون محاطة بالاحترام والتقدير, ومن أهم الصور التي تمثل هكذا امرأة هي المرآة الأم تحديداً والتي تجسد أسمى معاني التفاني والتضحية والحب الذي لا ينتهي وهي الملجأ والملاذ الآمن عندما تقسو الحياة ,ولكن الرجل في المجتمع المتخلف بالغ في إعلاء شان الأمومة نظراً لما يواجهه من متاعب وعواصف وأخطار وعقد ولكنه رفض في هذه الحالة المرأة إلا ان تكون مثالية بمعنى ان لا يكون لها أي ميول عدوانية أو تطلعات تمردية أو رغبات محرمة بنظره أو أن تكون لديها حاجات جسدية وجنسية. 2ـالاختزال السلبي لكيان المرأة: إذ أنه هنا لا ينظر إليها إلا بالكثير من الغبن والتصغير والتقليل من الشأن حيث لا يرى فيها إلا المرأة القاصر تلك الطفيلية التي لا تعرف تحمل المسؤولية أو المرأة الغاوية حيث لا ينظر لها إلا من خلال جسدها الذي يشتهى ولا يحترم ,والمرأة العبء التي هي مصدر الهم عند الأهل في صغرها ومصدر قلق على شرفها عند بلوغها سن المراهقة وحتى عندما تتزوج ينظر إليها وكأنها مصدر الهم والنكد والخوف عليها من منطلق إيمانهم بالمقولة الشهيرة : (هم البنات للممات ),وآخرون ينظرون إلى المرأة كونها المرأة المنظر التي لا يهمهم فيها إلا جمالها ومظهرها الخارجي متناسيين قدراتها العقلية وإمكاناتها ,وطبعا يجب أن لا ننسى المرأة الخادمة فتلك التي خلقت فقط لتخدم إخوتها في الصغر وزوجها وعندما تتزوج حيث لا يكون لها أهمية بعيداً عن تدبير أمور المنزل ورعاية الأطفال وتسيير أمور الرجل . فيكون المجتمع المتخلف بهذه الاختزالات السلبية والايجابية قد حرم المرأة من عيش حياتها بكل أبعاده وتنوعه وتناقضه ,والرجل يكون قد سير المرأة لأغراضه سواء أكانت سلبية أو ايجابية فالنتيجة واحدة ,وهي أن الرجل لا يريد من المرأة إلا أن تكون كما يريد هو وما يحتاجه هو . وطبعاً انتشار هكذا ظاهرة في المجتمع يؤدي إلى الكثير من الصراعات والتناقضات والخلافات الزوجية لأن المرأة وبإتباع أسلوب السلب لإرادتها قد تلجأ إلى وسائل دفاعية ضد وضعية القهر التي أجبرت على العيش فيه ,لأنه لا بد من وجود توازن نفسي لدى المرأة ضد حالة التصغير والتبخيس لشخصيتها الحقيقية ,وكان لا بد لها أن تشعر بشيء من الاعتبار الذاتي لكيانها فتلجأ بذلك إلى إتباع أساليب دفاعية لمواجهة المأزق كان تلجأ مثلاً إلى أنوثتها والسيطرة على الرجل مستخدمة أساليب المراوغة ,وإيهامه بأنها هي المرأة التي يريدها ولا بد من وضع ملاحظة وهي أن جميع الوسائل الدفاعية التي ستتبعها المرأة ستكون وسائل مرضية لأنها بالأساس نتيجة لعلاقة مرضية بين الرجل والمرأة ويجب الانتباه أيضاً إلى أنه في المجتمع المتخلف لا يمكن كشف حالات متعافية بسبب وجود حالة الظلم والقهر والسلب لشخصية المرأة ,لأن التخلف ينخر في إنسانية الإنسان ويلقي به في إشكاليات مرضية ,وحتى يصل الإنسان إلى شخصية معافاة وتوازن نفسي ,لا بد له أولاً أن يحرر ذاته من القهر والغبن المفروض عليه ,ولا يمكن للرجل أن يتحرر إلا بتحرر المرأة, ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بإرتقاء أكثر فئاته غبناً وظلماً , فالتطور والتقدم إما أن يكون جماعياً عاماً أو أنه سيكون مجرد كلمات دعائية وشعارات رنانة ويكون هدر للوقت والجهد.
ــــــــــــــــــ
المراجع :
التخلف الاجتماعي – مصطفى حجازي