مقاربات أميركية إيجابية نحو الشعب الفلسطيني
تلاحقت عقب الحرب الإسرائيلية العدوانية الرابعة على غزة مقاربات أميركية إيجابية نحو الشعب الفلسطيني تنوعت بين إعلامية وأكاديمية ونقابية وبرلمانية . واتخذت الإعلامية صورتها في بيان وقعه 514 إعلاميا من صحف وقنوات وإذاعات ؛ اعتذروا فيه من الشعب الأميركي عن انحياز تغطياتهم السابقة للموقف الإسرائيلي متجاهلين عدالة الموقف الفلسطيني ، وتعهدوا بنبذ الانحياز للموقف الإسرائيلي ، والتوجه لتقديم صورة حقيقية لما يحدث في فلسطين ستنصف شعبها حتما ومنطقا حتما لكونه المظلوم والضحية للعدوان الإسرائيلي الذي لم يدع موبقة إلا اقترفها ضد هذا الشعب إنسانا وأرضا وحياة ، آمنا ، العدوان ، من أي حساب مهما قل ، ومن أي عقاب مهما خف ، وعلى نقيض الحساب والعقاب تلقى إسرائيل من ينصرها في عدوانها حتى بين الأنظمة العربية المتجاهلة لتعاطف شعوبها الطبيعي مع الفلسطينيين . وفي الجانب الأكاديمي والنقابي ، تحركت مؤسسات أكاديمية ونقابية أميركية لتكوين لجان تقاوم الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ، وتراقبه عن كثب . وفي رأينا أنه أقسى وأسوأ من فصل عنصري . فكل الوجود الإسرائيلي في فلسطين مؤسس على سرقة وطن شعب آخر إلا أن هذا الموقف الشعبي الأميركي كسب وطني فلسطيني كبير لإقراره بأن إسرائيل السارقة القاتلة كيان عنصري مستعلٍ منعدم الإنسانية ، ومعادٍ للقوانين الدولية التي تجرم التمييز على أساس العرق أوالدين أو الجنس أو اللغة . والثقافة الأميركية في جملتها ، خاصة بعد الأحداث العنصرية في عهد ترامب ، تتوجه لمحاربة العنصرية التي تكتوي بنارها داخليا ، وتتخوف من مفاعيلها الخطيرة على نسيج وحدة الأمة الأميركية . وطبيعي أن يصيب العنصرية خارج أميركا شيء من شرر هذه المحاربة ، ولأن هذه المحاربة شعبية أخلاقية الحوافز وإنسانيتها فبداهةً هي صادقة حسنة النية بخلاف النهج الرسمي في هذه الناحية الذي يضمر غايات سياسية واقتصادية وعسكرية تجعله منطويا على النفاق ومفتقرا إلى الجدية ، وجانحا دائما إلى الانتهازية . ويتعزز هذان الموقفان الشعبيان بموقف برلماني في رسالة وجهها 73 نائبا ديمقراطيا إلى الرئيس بايدن يحثونه فيها على " احترام حقوق الشعب الفلسطيني السياسية ودعمها " ، ويطلبون منه " التراجع عن سياسات ترامب المؤيدة لإسرائيل " لما في هذه السياسات من انحياز ضد الفلسطينيين . وتأتي هذه المواقف وسواها في ظل ابتعاد إدارة بايدن عن سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية وإن كان هذا الابتعاد ليس بالحسم أو المسافة التي نريدها . القضايا العادلة عادة كثيرة الأنصار ، ويكثر أنصارها عددا ، ويكتسبون شجاعة في نصرتها إذا كان الذين تخصهم هذه القضايا تحديدا شجعانا أكْفاءً في نصرتها . والقضية الفلسطينية من أعدل قضايا التاريخ البشري . شعب حيوي مزدهر سطا على وطنه وحياته أخلاط من مهاجري العالم في مؤامرة استعمارية كبرى آزرتها قوى عربية قبلية ، ويتمادى هؤلاء الأخلاط الأوشاب في قتل هذا الشعب وقهره في تنكر همجي مطلق لوجوده مع أنه يبزهم عددا في الجغرافيا الفلسطينية ، ويؤلف ضعف عددهم بحساب الفلسطينيين خارج وطنهم الذي يتوقون للعودة إليه . لكأن هؤلاء الأخلاط المتهمجين في غيبوبة مرضية عميقة عن حقائق الواقع الساطعة الهادرة . ودائما قلنا إن الشعب الفلسطيني تنقصه قيادة وطنية تتخذ تحريره من السيطرة الإسرائيلية الاستيطانية هدفا محددا لا حَيْدودة عنه ، وتمضي لتحقيقه في فلسطين وفي خارجها في تفاعلية جدلية متوازية مثلما حررت قيادات وطنية عالمية شعوبها وأوطانها من قوى استعمارية استيطانية مهما حاول أصحاب المشروع الصهيوني الادعاء الباطل أنهم ليسوا حركة استعمارية استيطانية ، وأنهم عادوا إلى أرض تخصهم . لو كان للشعب الفلسطيني قيادة وطنية مخلصة جامعة لقواه لاستثمرت هذه المقاربات الأميركية الإيجابية وسواها من المقاربات العالمية التي تكاثرت بعد الحرب الإسرائيلية العدوانية الرابعة على غزة للوصول إلى تحرير الشعب الفلسطيني من السيطرة الإسرائيلية الاستيطانية ذات العنصرية الضالة المنحطة التي تعصف مصائبها به في تجمعاته الثلاثة ؛ الضفة الغربية وغزة وأراضي 1948 . هل من احتلال أو استيطان يأمر أسرة بهدم بيتها ذاتيا وإلا سيهدمه هو ، ويستدفعها أجرة هدمه التي تصل أحيانا إلى عدة آلاف من الدولارات سوى الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ؟! والمنتظر أن ترى اللجان الأكاديمية والنقابية إذا قدر لها أن تراقب شواهد العنصرية الإسرائيلية عن كثب ما يهولها ويرعبها من هذه الشواهد ، وسيزلزلها المدى الواسع بين حقيقة إسرائيل القبيحة الكريهة وبين الصورة الوردية المثالية التي قدمت عنها دائما في أميركا بصفتها دولة ديمقراطية تمثل القيم الغربية والأميركية خاصة وتحارب الإرهاب ، وفي طليعته "الإرهاب الفلسطيني " ، وسيطلق أعضاء هذه اللجان صرخة أشد وأكبر من صرخة راشيل كوري في أول اتصال لها بأسرتها بعد أن أذهلتها وحشية القوات الإسرائيلية ودمويتها في رفح : " تعالوا انظروا ماذا يحدث هنا ! " ، وما كان يحدث لأهل رفح حدث لها : سحقتها جرافة إسرائيلية في 16 مارس 2003 . ولن يكتفي أعضاء هذه اللجان بالصرخة ، سيعدون تقارير ودراسات عما سيشهدونه ويسمعونه ، وستقدم هذه التقارير والدراسات إلى مؤسسات شعبية وبرلمانية وإعلامية في أميركا ، وسيكون لها تأثير كبير لما فيها من مصداقية وواقعية وصفية لغرائب الجرائم التي تقترفها إسرائيل ضد الفلسطينيين في رضا وإعجاب بذاتها ، واقتناع شاذ فاسد بمشروعية هذه الجرائم باعتبارها حماية لذاتها .
وسوم: العدد 936