عام 2013 الأسوأ على الصعيد الفلسطيني منذ عام 1967
عام 2013 الأسوأ على الصعيد الفلسطيني
منذ عام 1967
نعمان فيصل
إن الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها قطاع غزة سيئة للغاية، وكان العام 2013 الأسوأ منذ عام 1967 على مستوى الأمن الاقتصادي وظروف العيش والانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه الحصار والعدوان الإسرائيلي من جهة والانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس من جهة أخرى.
وكشفت حقيقة التطورات السيئة، التي يحياها سكان القطاع من أقصاه إلى أدناه، والتي فاقت كل الحدود، أن الزعماء كانوا في واد، والناس في واد آخر، وأن السنوات السبع العجاف التي عاشها أهالي القطاع من أشد السنوات قسوة على النفس والمصير، إذ كانت حافلة بالأحداث الجسام، تهزهم هزاً عنيفاً، وفي مقدمة هذه الأحداث الانقسام الذي أكل الأخضر واليابس. وظل هذا الانقسام الذي طال كل نواحي الحياة السياسية والجغرافية عنوان المرحلة منذ منتصف حزيران 2007 إلى كتابة هذه السطور، حيث تشتتت كلمة الشعب العربي الفلسطيني؛ وأصبحت له حكومتان، واحدة في غزة ، وأخرى في رام الله! الأمر الذي أدى إلى ترسيخ مفهوم الحزب الواحد في كل من شطري الوطن، كما أفردت كل جهة نصوصها الجارحة واتهاماتها للتشهير بالآخر، وكل منهما يكره الآخر، ويحط من قدره أكثر مما حط مالك في الخمر.
وفي ظل أجواء التشظي وغياب المصالحة، تفاقمت معاناة المواطنين وشلت كافة مقومات الحياة، وهو أحد نقاط الضعف في الحالة الفلسطينية السيئة التي تدل ببأسها وشدتها على الناس والمجتمع. كما انعكس ذلك سلباً على القضية الفلسطينية برمتها التي تاهت لسنوات في وحول الانقسام.
والعامة من الناس مغلولة الأيدي والأعناق، لا يملكون من الأمر شيئاً، ولسان حالهم يقول إنه خروج على المألوف، وشذوذ على المنطق، ومجافاة للصالح العام، فما كانت العصبية الحزبية وعنجهيتها وقيود الانقسام، لتسمح لمتكلم أو صاحب فكر أن يسمع رأيه، والجميع على مضض في انتظار الساعة المناسبة، ليقولوا كلمتهم في هذا الوضع، الذي يفرضه قادتهم عليهم وليس لهم رأي فيه.
ولم تعد الحكومات الفلسطينية المتتالية التي ولدت من رحم الانقسام سواء في قطاع غزة أو الضفة الفلسطينية قادرة على الوفاء بكل ما يتطلبه الحكم، إذ إن مرحلة الحكم (السلطة) تقتضي المسؤولية الكاملة عن الشعب الفلسطيني وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة، والدفاع عن مصالحه، وهذا أمر يتعذر القيام به بنجاح في ظل انقسام جغرافي بين قطاع غزة والضفة الفلسطينية، وسيطرة إسرائيل على المعابر والحدود والاقتصاد؛ وهو ما ينذر بسوء العاقبة.
لقد ذهبت فلسطين فريسة الاختلاف، واختزلت قضيتها العادلة التي تهدف إلى التحرير والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة إلى عدة قضايا ثانوية، تشغل بال الناس، وتباعدهم عن قضيتهم المركزية: كأزمة الكهرباء وتفاقمها، وإغلاق المعابر وتداعياتها، وتفشي ظاهرة البطالة، وهبوط مستوى المعيشة هبوطاً ملحوظاً، وازدياد الفقر، واشتداد الغلاء، وانشغال الشرائح الفقيرة في تأمين لقمة العيش ومستلزمات الحياة الضرورية، وانتشار ظاهرة التسول، وتراجع دور منظمات حقوق الإنسان، تركت هذه الظواهر طابعها في تعزيز ضعف الانتماء الوطني واللامبالاة، وتعاظم الشعور بالإحباط واليأس من القادة وعدم الثقة بالتنظيمات والفصائل. وكان لامتداد هذه الظواهر السلبية آثارها العميقة في نفوس أبناء الجيل في انحراف البوصلة عن القضية الأساسية (فلسطين)، التي يجب أن يبقى السجال في الميدان محكوماً بها.
إن من وسائل الارتقاء الاجتماعي أن يدرك المجتمع الفلسطيني أوجه النقص في حياته العامة والخاصة، وهي أوجه ليست أصيلة في المجتمع الفلسطيني، بل هي عارض نجم عن عاملين هما: الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، فالاحتلال علة التأخر والانحطاط، والانقسام مفسدة للأخلاق والطباع، وهكذا خرج المجتمع الفلسطيني ضئيل الشخصية، متحلل الروابط الاجتماعية، فاقد الإرادة مِنْ عدلِ الحكام، خرج مريضاً من كل وجه، وما دواء المجتمع المريض إلا بأن يتحمل قادة الشعب الفلسطيني مسؤوليتهم عن هذا الشعب - المغلوب على أمره - وإصلاح العلاقات المجتمعية، وإنماء الفضائل العامة، والحث عليها، والاجتماع على قلب رجل واحد، حيث يشير تاريخ حركات التحرر الوطني أنه حين يقع شعب تحت احتلال أجنبي، فإن طبقاته الاجتماعية المختلفة تضع خلافاتها جانباً، أو تتعامل مع هذه الخلافات باعتبارها تناقضات ثانوية، بالقياس إلى التناقض الأساسي مع الاحتلال الأجنبي حتى زواله، وليس العكس، فإن وقوع الاحتلال الأجنبي يفرض بالضرورة تجميد هذه الخلافات لصالح توحيد الصفوف في وجه العدو المشترك – الخارجي، لا أن يدبَّ الخلاف، ويحدث الانقسام، وربما القطيعة، حتى تصل إلى حد الاقتتال.