وشرح مستوفى لقول الأفوه الأودي
وشرح مستوفى لقول الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سَـراة لهم
ولا سـراة إذا جهالهـم ســادوا
تهدى الأمور بأهل الرشد ما صلُحت
فـإن تولـوا فبالأشــرار تنقـاد
أدب وسياسة
وهذه الأبيات سائرة مشهورة، وكثير منا يحفظها، ويرددها، ويتغنى بها، وكثير يقرؤها على وجه من الإدغام ،تغيب فيه حقيقة معانيها وتمام مبانيها . ويمكن أن يكتب حول معاني هذه القصيدة، وهذين البيتين كراس ، ولكنني سأختصر لأعين طلاب الحق على المتابعة ، وكل ما سأفعله أنني سأفك الإدغام، وأنبه في البيتين على موضع الوصل والفصل ..
وكثيرا ما يمر الناس على البيت الأول مؤكدين على الحقيقة في الشطر الأول منه، ويقفزون عن الحقيقة في الشطر الثاني ، وهي ليست أقل خطر، ولا أوقع في إحدث الضياع أثرا ..وأعيد السرد
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ، هذا الكل يعرفه ويردده ويتوارى خلفه. وتمام القول: ولا يصلح الناس إذا جهالهم سادوا أيضا. فالذين يسودهم الجهال، ليسوا في حالة فوضى غير منتجة ، وإنما هم شر مكانا حيث ينقادون " لرؤوس جهال " هل تذكركم هذه العبارة بأختها " اتخذ الناس رؤوسا جهالا فضلوا وأضلوا " .
والجهل المقصود في الوصف ليس مقصودا به الجهل المعرفي، الذي يزول عادة في مدارس محو الأمية، وإنما المقصود به نوع من الجهل المضاد للرشد، والذي يتلبس به المرء ولو كان حاملا لشهادات العالمية ..
إذن المعنى المتحصل لدينا:
لا يصلح الناس فوضى بلا قيادة ..
ولا يصلح الناس إذا قادهم أو ساسهم الجهال..
العاجزون عن الرؤية الراشدة، وعن حسن التدبير ، وعن مقتضيات العزيمة وواجبات الانتصار ..ومعنى الانتصار في السياق القرآني دفع الظلم، والأنفة والإباء (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ)
ففي البيت الأول إشارة إلى دائين، بكل منهما ابتلي السوريون في ثورتهم ..
وفي البيت الثاني تأكيد وتعزيز وتوشيح لمعنى البيت الأول ..فأمور الناس تهدى بأصحاب الرشد فيهم، والرشد فيه معنى زائد عن الصلاح، فالصلاح قد يكون خاصا وفرديا لازما غير متعد، ولكن الرشد يكون ذاتيا ومتعديا في الوقت نفسه، وحين ينكفئ أهل الرشد على أنفسهم، لأي سبب أو عذر مقبول أو غير مقبول، تفرغ مواقع السؤدد والقرار ، للجهال والأشرار فيجذبونها ويتجاذبونها، وكلٌ على طريقتهم ، فيكون من أمرهم ما كان من أمرنا نحن السوريين خلال السنوات العشر ..
إذا تغنيتم بقول الأفوه الأودي: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهمُ... فلا تنسوا أن تكملوا : ولا سراة إذا جهالهم سادوا ..
وأسوأ ما يكون كلام أهل الجهل أن يأتي منمقا مزخرفا مؤطرا بإطار : قال الله.. قال رسوله .. قال الصحابة أولو العرفان ..
وسوم: العدد 936