عندما دفعت أمريكا ثمن أخطاء سجن باغرام في أبوغريب
كان الخروج المرتبك للأمريكيين من أفغانستان مناسبة للتذكير بتكرار واشنطن لأخطاء سياساتها من بلد لآخر، وتحدث المراقبون والمحللون كثيرا عن إخفاق السياسة الخارجية الأمريكية في فهم مجتمعات المنطقة، وإدارة النزاعات فيها، وحاجتها لوقت طويل لتتعلم من التجارب السابقة، حيث تصدر الدراسات والتقارير الرصينة التي تقدم مراجعات ونقد، لكن بعض فوات الأوان غالبا.
ومن الحوادث الشهيرة التي كشفت قصورا كبيرا في سياساتها العسكرية الخارجية وهزت صورتها الأخلاقية، هي حادثة التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، ولعل الكثيرين لا يعرفون أن ما حصل في أبو غريب عام 2004 بدأت فصوله في سجن باغرام الأفغاني عام 2002، فقد توفي سجناء أفغان تحت التعذيب بسبب تقنيات استجواب عنيفة، وانتقلت بعض الفرق العسكرية التي مارست التعذيب في سجن باغرام إلى سجن أبو غريب، وأدى تجاهل حالات الوفيات تحت التعذيب التي وقعت في باغرام لتكرار ذلك في أبو غريب، وتعرض واشنطن لفضيحة كبيرة أثرت كثيرا في سمعتها العالمية.
وتبدأ القصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر، عندما وافق الرئيس الأمريكي وقتها، جورج بوش الابن، على ما يعرف بتقنيات الاستجواب لاستخدامها مع «المقاتلين الأعداء»، مثل الإيهام بالغرق وغيرها، ورغم أنها في نظر الكثير من المنظمات الحقوقية تعتبر محظورة بموجب اتفاقيات جنيف، إلا أن المحققين تجاوزوا هذه الأساليب إلى أخرى غير مرخصة، في ما يعرف بـ»الدليل الميداني للجيش للاستجواب»، من أجل الحصول على معلومات سريعة من المعتقلين، وأدت تلك السياسات في إحدى الحالات لوفاة اثنين من المعتقلين الأفغان في نوفمبر 2002، يؤرخ تقرير الجيش الامريكي هذه الحادثة كمفصل مهم قاد لاحقا لفضيحة أبو غريب، ففي تقرير الجيش الأمريكي حول حرب العراق، يؤكد قائد القوات الأمريكية في العراق ريكاردو سانشيز، أن التردد في الاعتراف بانتهاكات باغرام، التي ارتكبها جنود الفيلق الثامن عشر المحمول في باغرام قد قاد لتكرارها في أبو غريب. ويضيف التقرير أن الكتيبة نفسها التي كانت تستجوب المعتقلين في باغرام بافغانستان، جاءت لتولي الأمر في أبو غريب: «أصبحت عناصر كتيبة المخابرات العسكرية 519 التي جاءت لتوها من أفغانستان، مسؤولة عن إدارة عمليات الاستجواب في أبو غريب في أواخر يوليو 2003وأعدت مسودة إرشادات الاستجواب التي تشبه إلى حد بعيد الإجراءات القياسية المستخدمة من قبل قوات العمليات الخاصة في أفغانستان عام 2003، العديد من هذه التقنيات لم تكن متوافقة مع اتفاقيات جنيف». ويشرح التقرير الصورة الشهيرة الخاصة بالمعتقل القيسي الذي ظهر في صور التعذيب وهو يقف على شكل تمثال الحرية والأسلاك تتدلى منه، ويقول التقرير» في 3 نوفمبر، أحضر محقق من قسم التحقيقات الجنائية في الجيش (CID) إلى القسم الأول سجينا جديدا يشتبه في تورطه في قتل خمسة أمريكيين وأمر الرقيب في سرية الشرطة العسكرية تشارلز جرانر بإخضاع المعتقل الى المعاملة المجهدة، من أجل تخفيف مقاومته للاستجواب، صرخ جرانر على الرجل بينما كان يجبره على الوقوف مغطى الرأس على صندوق فارغ لساعات في كل مرة.. وربط غرانر المحتجز ببعض الأسلاك الكهربائية المفكوكة معلقًا على الحائط، وكان يخبره أنه إذا تحرك فسوف يتعرض للصعق بالكهرباء، وتعرض معتقلون آخرون إلى اللواط، وتكديسهم عراة في أهرام بشرية وتعرضوا للضرب والاغتصاب»، كل هذه الانتهاكات أقر بها الأمريكيون ونشروا تفاصيلها في تقريرهم الناقد الجريء لسياساتهم في حرب العراق، ولكنهم عادوا مرة أخرى لتكرار السياسات الخاطئة نفسها في أفغانستان، وهذه المرة بدعم الأجهزة الأمنية في حكومة حلفائهم في كابول، التي ارتكبت قواتها انتهاكات خطيرة ضد المعتقلين كانت مادة حاضرة في تقارير منظمات حقوق الإنسان، وأدت إلى زيادة الاستياء الشعبي من السلطات الأمنية الحكومية، وهو ما استفادت منه طالبان كثيرا في عودتها للمشهد، إحدى هذه الحالات كانت قائد شرطة قندهار الجنرال عبد الرزاق الذي وثقت هيومان رايتس واتش انتهاكاته في تقرير، واغتالته طالبان لاحقا في هجوم افلت منه قائد عسكري أمريكي كبير، نجا هو لكن جيشه لم ينج من خاتمة مهينة لواشنطن في أفغانستان بعد 20 عاما، أحد اسباب تلك النهاية، تكرار السياسات الفاشلة نفسها.
وسوم: العدد 946