. وفي الشعوب العربية والشعوب الإسلامية عشرات الملايين من هذه النسور . وما من فرق بين عربي ومسلم في حب فلسطين ، وفي اشتهاء الاستشهاد تحريرا لها . والسنوات الثلاث والسبعون التي شهدت صورا من عربدة وفجور دولة الأشتات المهاجرة سيأتي من الانتصارات العربية والإسلامية عليها المفضية إلى زوالها ؛ ما يجعل التاريخ يكتب أنها ، السنوات ، كانت سحابة عابرة ضالة . وله مدلوله المبين أن من يعري مخافي ضعف هذه الدولة ومواطن عيوبها هم الفلسطينيون والمقاومة الإسلامية اللبنانية مجسدة في حزب الله ، والاثنان جزء صغير جدا من العالم العربي والعالم الإسلامي ، ومحدود الإمكانات. وما عساه يحدث لدولة الأشتات المهاجرة إذا ائتلف عدد مناسب من العرب والملمين لمجابهتها ؟! سيشطب هذا الكيان العدواني السرطاني من خريطة المنطقة . والتقديرات بما فيها الأميركية أنه سيذوب ويتلاشى بالهجرة المعاكسة بعد أن تضربه سلاسل متلاحقة من الإخفاقات التي ستخلق تراكما محبطا يدفع إلى هذه الهجرة قنوطا من ديمومة مشروع تأسس على أعمدة باطلة ملفقة ، ويفيض باليأس ما قاله الخبيران الإسرائيليان ألموغ بوكر وعمري يانيف في مقالهما الموحد على موقع القناة 13 : " الإسرائيليون إزاء واقع لا يصدق . " ، وأنهم فقدوا الشعور بالأمن الداخلي ، وتبددت ثقتهم بالدولة . ومعظم النار من مستصغر الشرر ، وأحدث الشرر ، وليس آخره ، معجزة هروب النسور الفلسطينيين الستة _ حماهم الله بقدرته ورحمته _ من سجن جلبوع مفخرة إسرائيل في احتياطاته الأمنية ، وبئست دولة تفخر بالسجون حتى لأعدائها !
طغى الاهتمام بمتابعة حدث هروب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع الإسرائيلي المحكم التحصين على سواه من الاهتمامات ، وكانت قراءة متوالياته أعلى القراءات في المواقع العربية ؛ مصحوبة بالدعوات لهم بالسلامة ، وبعبارات الفخر والإعجاب بهم ، والذهول من غرابة ما فعلوه . وتلاحقت المقالات والتقارير والأحاديث والأغاني في الإعلام تمجدهم ، وتشمت بمنظومة الأمن الإسرائيلي المزهوة بذاتها ، وتعد ما اجترحه الأسرى الستة عبقرية فلسطينية وعربية تبرهن أن الإنسان العربي يقتدر على فعل المعجزات المدهشات متى عزم على فعلها ، وفي البال أن أنظمة الفساد الطاغي والاستبداد الباغي قتلت قدرات هذا الإنسان وفاعلياته ، وأشرعت كل الأبواب لشراذم المهاجرين المغتصبين لإقامة دولة في أرض عربية مسروقة ظلما وعدوانا ، تعتدي متى أرادت ، وتسفه العرب شعبا وحضارة ، وتجد في سهولة من يستذل لها منهم ، ويقاسمها هذا التسفيه ، وتضخم تطاولها واستذلال الفاسدين والمستبدين العرب ، فتعدى الاثنان على جلال الدين الإسلامي الرباني الذي نبع من قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وحفظه الله _ تعالى _ من كل تحريف ، ونبع ، الدين الإسلامي ، من سنة مطهرة لا ينطق صاحبها _ عليه أفضل الصلاة وأفضل التسليم _ عن الهوى ؛ نقول تضخم تطاولها واستذلال أولئك العرب ، فصاغ الاثنان ديانة سموها الديانة الإبراهيمية ، وإبراهيم _ عليه السلام _ ديانته الإسلام " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ... " . معجزة النسور الستة الخارقة التي أبهجت العرب ورفعت رؤوسهم عزا ، وأحزنت الإسرائيليين وفضحت مخافي ضعفهم ؛ أقصت كل سحب الدخان والغبار التي أشاعها إعلام المطبعين وذبابهم الإلكتروني المحمق عن سأم العرب من فلسطين والفلسطينيين ، وأن مصادقة الإسرائيليين أنفع لهم من مناصرة الفلسطينيين . والواقع أن كثيرا من تلك السحب الملفقة القاتمة أُقصي في حرب مايو الماضي أو " معركة سيف القدس " حين أذهلت بطولة مقاومة غزة وأداؤها القتالي الكفء الشعوب العربية ، وفجرت مشاعر العزة والرضا عن الذات في أعماقها . وفي ساعة واحدة أعاد مليون مواطن في بلاد الحرمين وسم " غزة تنتصر " . هي أمة العرب التي كد أعداؤها وجدوا مؤتلفين مع عدد من حكامها الطغاة الذين نصبهم هؤلاء الأعداء في مناصبهم ليكونوا عونا لهم في قهرها ، الأمة التي حدد أبو تمام متانة تماسكها وأصالة تراحمها في بيته : " إذا احتربت يوما فسالت دماؤها = تذكرت القربى ففاضت دموعها " . وما من ريبة في أن العدو الإسرائيلي ينظر بحرقة عاصفة في قلبه للفرح العربي الشعبي العارم بمعجزة النسور الستة ، ولشماتة هذا الشعب واستهزائه بمزاعمه عن عبقريته في كل شيء . وسيكون لمعجزة النسور الستة مفاعيلها المتعاقبة في الوعي العربي استبشارا بدنو فجر النصر ، وفي الوعي الإسرائيلي يأسا من القدرة على البقاء في المنطقة العربية الإسلامية .