الزوجية تكامل لا مساواة
سلسلة (قطعيات القرآن) : (8)
جاء في القرآن الكريم أن الخالق عز وجل قد أقام هذا الكون على نهج من "الزوجية" أي ازدواجية كل المخلوقات، من ذلك قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة الذاريات/ 49، وبالرغم من أن هذه الزوجية تمثل مظهراً من مظاهر الاختلاف بين المخلوقات؛ إلا أنها - في الوقت نفسه - تعد من مظاهر وحدة الخليقة؛ فوجود زوجين من كل شيء يجعل أحدهما يكمل الآخر ويتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً يضمن نمو وبقاء الأنواع؛ وفي هذا كمال الخلق وحكمة الخالق وحدانيته سبحانه؛ فالزوجية في المخلوقات تجعل بعضها يحتاج إلى بعض، أما الخالق فلا يحتاج لشيء منها، وفي هذا كمال قدرته، ودليل وحدانيته وتفرده سبحانه !
علما بأن في الكون مظاهر أخرى للزوجية، نجدها في عالم النبات والحيوان والإنسان وعالم الجمادات؛ فهناك دائما زوجين من كل شيء؛ أي الشيء ومقابله أو قرينه، ففي البحار والأنهار هنالك ماء عذب شديد العذوبة وماء شديد الملوحة : (وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج) سورة فاطر 12، والليل يقابله النهار، والحر يقابله البرد، وكذلك النور والظلام، والخير والشر، والهدى والضلال، والحب والكره !!
@ تكامل الزوجين :
والحديث عن الزوجية يقودنا إلى الحديث عن القضية الشائكة المكرورة؛ وهي قضية المساواة بين الرجل والمرأة، التي لا يمل بعض المرجفين عن إثارتها في كل مناسبة، ولعل أفضل ما نبدأ به مناقشة هذه القضية قوله تعالى : (من عَمِل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) سورةالنحل ٩٧ . وقوله تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً) سورة الأحزاب ٣٦ ، وقد تكرر هذا الخطاب الإلهي الموجه لكلا الجنسين على قدم المساواة، وقد تكرر هذا الخطاب في القرآن الكريم مراراً وتكراراً مما يقطع الطريق على المرجفين الذين يريدون الاصطياد في الماء العكر باتهام الإسلام بالتمييز بين الجنسين لحساب الرجل !
فقد بلغ من اهتمام الخالق عز وجل بقضايا النساء أنه خصص لها سورة كاملة في القرآن الكريم (سورة النساء) وأفاض في الحديث عن قضايا المرأة في سور أخرى عديدة، منها (الطلاق، مريم، المجادلة، الممتحنة، النور ..) .
ومن خلال نظرة شاملة لموضوع المرأة والرجل في القرآن الكريم نجده يقطع بكل وضوح وحسم مساواة الجنسين في التكاليف الشرعية، فهو غالباً ما يصدّر هذه التكاليف بنداء (يا أيها الذين آمنوا) وهو نداء موجه للجنسين كما هو معلوم من أساليب البيان العربي .
ومن رحمة الله بالمرأة ومراعاة منه لفطرتها التي تختلف عن فطرة الرجل، وبسبب الظروف التي تطرأ عليها (مثل الحيض والنفاس والحمل والرضاعة) وضع عنها بعض التكاليف الشرعية مراعاة لها في هذه الظروف .
وانطلاقاً من الاختلافات الخَلْقية التي فطر الله عليها الرجل والمرأة، جعل القوامة للرجال على النساء فقال تعالى : (الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) سورة النساء ٣٤، والقرآن الكريم واضح كل الوضوح بأن القوامة في القرآن الكريم تكليف لا تشريف، فالقوامة مسؤولية حمّلها الله عز وجل للرجل الذي فطره الله فطرة جعلته أقدر على تحمّل مشاق الحياة والسعي على الرزق، وحمله المسؤولية في إدارة شؤون الأسرة؛ لأنها مؤسسة لا بد لها من مدير يُسأل عن تدبيرها، ويسأل عما يصيبها !
باختصار .. إن النظر الموضوعي في القرآن الكريم ينفي عنه كل اتهام بالميل أو التحيز لصالح الرجل على حساب المرأة .. فهو سبحانه الذي فطر الخلق على الزوجية لا للتمييز، وإنما لكي يكمل أحدهما الآخر ويعين كل منهما الآخر في القيام بالأمانة .. فتأمل !
وسوم: العدد 946