العبيد
يصف سيّد قطب هؤلاء العبيد فيقول عنهم:
ليس العبيد هم الذين تقهرهم الأوضاع الاجتماعية والظروف الاقتصادية على أن يكونوا رقيقاً، يتصرّف فيهم السادة كما يتصرفون في السلع والحيوان، إنما العبيد الذين تعفيهم الأوضاع الاجتماعية والظروف الاقتصادية من الرق، ولكنهم يتهافتون عليه طائعين!!.
العبيد، هم الذين يملكون القصور والضياع، وعندهم كفايتهم من المال، ولديهم وسائلهم للعمل والإنتاج، ولا سلطان لأحد عليهم في أموالهم أو أرواحهم.. وهم مع ذلك يتزاحمون على أبواب السادة، ويتهافتون على الرق والخدمة، ويضعون بأنفسهم الأغلال في أعناقهم، والسلاسل في أقدامهم، ويلبسون شارة العبودية في مباهاة واختيال!.
العبيد، هم الذين يقفون بباب السادة، يتزاحمون وهم يرون بأعينهم كيف يركل السيد عبيده الأذلاء في الداخل بكعب حذائه، وكيف يطردهم من خدمته دون إنذار أو إخطار، وكيف يطأطئون هاماتهم له فيصفع أقفيتهم باستهانة، ويأمر بإلقائهم خارج الأعتاب، ولكنهم بعد هذا كله يظلون يتزاحمون على الأبواب، يعرضون خدماتهم بدل الخدم المطرودين، وكلما أمعن السيد في احتقارهم زادوا تهافتاً كالذباب!.
العبيد، هم الذين يهربون من الحرية، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر، لأن العبيد هم الذين إذا أُعتِقوا وأُطلِقوا حسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة، لا الأحرار المطلقي السراح، لأن الحرية تُخيفهم، والكرامة تُثقل كواهلهم، ولأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزون بها، ولأن القصب الذي يُرصّع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يتعشقونها!.
العبيد، هم الذين يحسّون النير لا في الأعناق ولكن في الأرواح، الذين لا تلهب جلودهم سياط الجلد، ولكن تلهب نفوسهم سياط الذل، الذين لا يقودهم النخّاس من حلقات آذانهم، ولكنهم يُقادون بلا نخاس، لأن النخاس كامنٌ في دمائهم.
العبيد، هم الذين لا يجدون أنفسهم إلا في سلاسل الرقيق، وفي حظائر النخاسين، فإذا انطلقوا تاهوا في خضم الحياة وضلوا في زحمة المجتمع، وفزعوا من مواجهة النور، وعادوا طائعين يدقون أبواب الحظيرة، ويتضرّعون للحراس أن يفتحوا لهم الأبواب!.
والعبيد – مع هذا- جبّارون في الأرض، غِلاظ على الأحرار شداد، يتطوّعون للتنكيل بهم، ويتلذّذون بإيذائهم وتعذيبهم، ويتشفون فيهم تشفي الجلادين العتاة!.
إنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر، فيحسبون التحرر تمرّداً، والاستعلاء شذوذاً، والعزّة جريمة، ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الأحرار المعتزين، الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق!.
إنهم يتسابقون في ابتكار وسائل التنكيل بالأحرار، تَسابُقَهم إلى إرضاء السادة، ولكن مع هذا فإنّ السادة يملّونهم ويطردونهم من الخدمة، لأن مزاج السادة يدركه السأم من تكرار اللعبة، فيغيرون اللاعبين ويستبدلون بهم الواقفين على الأبواب!!.
* نقلاً عن: دراسات إسلامية، سيّد قطب، دار الشروق، الطبعة الحادية عشر، ص129-133.
وسوم: العدد 948