العقل زينة
في مقابلة مع العالم "كليوسوف" رائد علم جينيالوجيا الحمض النووي (علم الأنساب)، يسأله محاوره: طالما أنه ثبت لكم مؤخرا أن السلالة تنتقل عن طريق الكروموسوم الذكري، فلماذا لا تؤمنون بالقرآن؟ وقد ذكر ذلك قبل خمسة عشر قرنا " ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ" [الأحزاب:5]، فأجاب لا يجب أن يؤمن العالِم، فلا يصبح عالما اذذاك، فيسأله: هل يوجد عالم يؤمن بالخلق وليس بنظرية التطور، فيجيب: لا يوجد، فكل عالم يجب أن يؤمن بنظرية التطور.
من أخطر الأمور جهل العالِم أو تجاهله لحقيقة لخدمة غرض، فعلمُ الجاهل أقل ضررا، لأن الجاهل لا يُتّبع إلا بتوجس لعدم الثقة في معرفته، لكن العالِم يكون ثقة فيُتبع، فإن كانت معرفته غير صحيحة فهو ضال بذاته مضل لغيره.
هذه الحقيقة تدركها تلك الفئة من البشر التي وجدت أن اتباع منهج الله يتناقض مع مصالحها، إما لأنها اكتسبت من متاع الدنيا ما هو أكثر من حقها، فوجدت أن العدالة والمساواة التي يحققها هذا المنهج تحد من أطماعها وتغولها، وتنتقص من مكتسباتها، أو لأن ذلك المنهج يرتب عليها كلفا والتزامات تقف حاجزا أمام اتباعها المتع والشهوات المحرمة.
ولأن هذه الفئة تحتكر النفوذ والمال، لذلك تملك الوسائل لمحاربة هذا المنهج، وتستطيع توظيفها لتحقيق غاياتها، وهي الصد عن دين الله، وبطرق شتى، وأهمها كان تسخير العلم لذلك، والذي هو محل ثقة، كونه منتجا عقليا بحثيا موثوقا.
العلم مصدره إلهي بحت، فهو الذي علم الإنسان ما لم يعلم، لذلك لا يمكن للعلم أن يثبت عدم وجود المعلم، بل العكس، فكيف تم حرف العقل وتزوير العلم، لكي يؤدي عكس ما وجد من أجله وهو أن يدل البشر على وجود الله؟.
بدأت المهمة بالإيهام أن للعلم مصدرا وحيدا هو التجريب، وأن ما يثبته ذلك هو الحقيقة، وان الشق الثاني من العلم، والذي هو التعلم من مصدر أعلم (الوحي الإلهي)، ثم بالتأمل واستخدام أدوات العقل المنطقية لإثبات صدقية ذلك المصدر، ليس علما.
الهدف من ذلك إنكار وجود الخالق، لكونه غير مرئي، لذلك حصروا عناصر العلم بالمدركات الحسية فقط، واعتبروا ماغير ذلك باطلا، رغم أن العقل يمكنه إدراك كثير من الأمور بغير وسائل الحس المباشرة بل بأثر ذلك الشيء، مثل اليقين بالضغط الجوي، من غير رؤية الهواء ولا الإحساس بثقله ووزنه، وقبل اختراع الباروميتر.
كانت رحلة داروين ممولة من جماعة من كبار المتنفذين (القوة العالمية الخفية)، الذين ابتدعوا فكرة العلمانية مستغلين سخط العلماء على سيطرة الكنيسة المعيق للبحث خارج مقولاتها، فنجحوا بتوجيه العلماء لرفض الإيمان بالله لأنهم يعتبرونه مرتكزا لسلطة رجال الكنيسة، لذلك تمكنوا من تجنيد العلماء لصالحهم في خندق الإلحاد، ووضعوهم في مواجهة الدين.
كان الهدف المحدد لرحلة داروين إيجاد الدلائل المعززة لمقولة النشوء والإرتقاء وفكرة تطور كل الكائنات الحية من كائن أولي واحد، لاعتقادهم أن ذلك ينقض مقولة الكتب المقدسة أن الإنسان خلق من آدم وحواء، لكي يقنعوا الناس أنه لا انتساب الهي لتلك الكتب، ولا وجود للنبوة.
لم يتمكن داروين من إيجاد دليل واحد، رغم ذلك وقع العلماء في أسر المتنفذين فتبنوا فكرتهم الإلحادية، وتخلوا عن منهجهم العلمي (في هذه المرة) فتبنوا الفكرتين كنظريتين وحيدتين لتفسير الوجود الحيوي، رغم أنه لم يجدوا في كل الحفريات والمستحاثات دليلا واحدا مهما كان صغيرا يثبتها، بل العكس فقد وجدوا في أقدم عظم فك بشري اكتشف الى الآن عمره (2.8) مليون سنة، أنه مطابق تماما مع فك الإنسان الحديث ، ومختلف جذريا عن فك القرد.
ورغم ذلك ولتحصين نظرية التطور، تآمر العلماء فجعلوها من التابوهات المقدسة، بدليل أن أي بحث علمي بيولوجي لا يُقبل إن لم ينبني على فرضية أن القرد هو جد الإنسان، وبالرغم أن القرد لم يذكره داروين مطلقا في كتابه الشهير "أصل الأنواع"، بل تبين أن "ماركس" هو من دسّه على الكتاب، والطريف أن كل العلماء الى اليوم ينسبونه الى "داروين" زورا، مع أن بإمكان أي واحد منهم التحقق والتأكد بنفسه من ذلك التزوير.
عندما يصر العالِم على الجهل بموضوع ما وإغلاق سبل نقضه..ألا يدل ذلك أن العقل زينة!؟.
وسوم: العدد 949