انْظُرُوا إِلَى الَّذِينَ هَجَرُوا دِينَهُمْ

أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمَ مَرْعُوه

انْظُرُوا إِلَى الَّذِينَ يُحَاوِلُونَ التَّدَخُّلَ فِي شُئُونِنَا مَا بَيْنَ آوِنَةٍ وَأُخْرَىَ عَنْ طَرِيقِ زَعْزَعَةِ اسْتِقْرارِ الْأَوْطَانِ فَتَجِدُهُمْ يَلْعَبُونَ عَلَى الْفِتْنَةِ الطَّائِفِيَّةِ بَيْنَ أَطْرَافِ الدِّينِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا وَأَطْرافِ الطَّوَائِفِ مِنَ الشَّرَائِعِ الْأُخْرَى، عَنْ طَرِيقِ إِيعَازِ الْحَلِّ السِّحْرِيِّ الَّذِي يَتَمَثَّلُ فِي إِحْلاَلِ الْجَهَلَةِ الْمُنْحَرِفِينَ مَحَلَّ الشُّيُوخِ الثِّقَاتِ المُحِقِّينَ لِلْحَقِّ، وَالْعَمَلِ عَلَى تَفْرِيغِ الأُمَّةِ مِنْ أفْضَلِ عُلَمَائِهَا الَّذِينَ يَفْهَمُونَ الدِّينَ بِحَقٍّ لِيَتْرُكُونَهُ لِلْجَهَلَةِ الَّذِينَ يُطَبِّلُونَ وَيُزَمِّرُونَ لِصَوْتِ الْبَاطِلِ، وَيَدْعُونَ نَفُورًا، وَيُبَيِّنُونَهُ لِلنَّاسِ عَلَى أَنَّه الْحَقُّ، وَهُوَ مِنْهُمْ بَرَاءٌ . نَعَمْ إِنَّ أَعْدَاءَ الْأُمَّةِ يُرِيدُونَ تَفْرِيغَهَا وَتَفْتِيتَهَا عَنْ طَرِيقٍ اشْعَالِ نَارِ الْفِتْنَةِ وَالْخِلاَفِ بَيْنَ طَوَائِفِهَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَإِذَا سَلَّمْنَا لِمَ يَدْعَوْنَنَا إِلَيْهِ عَلَى أَنَّه التَّقْريبُ لَا التَّغْرِيبَ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّخْرِيبُ، فَإِنَّه لَا يَجُوزُ بأَيِّ حَالٍ مِنَ الْأَحْوالِ أَنْ نُزِيحَ شُيُوخَ الْحَقِّ عَنِ السَّاحَةِ طَالَمَا هُوَ التَّقْريبُ، وَلِأَنَّنَا نَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ مُعْظَمً مَنْ يُخَالِفُنَا فِي الدِّينِ وَالْعَقِيدَةِ لَا يُرِيدُ لَنَا خَيْرًا طَالَمَا أَنَّهُ يُحَاوِلُ الْعَبَثَ بِمَوْرُوثِنَا الدِّينِيِّ وَالثَّقافِيِّ، وَأَنَّه لَا يَجُوزُ السَّمَاحُ لأَيِّ أَحَدٍ بِتَشْوِيهِ أَوْ تَدْنِيسِ عَقِيدَتِنَا، ابْتِدَاءً مِنَ الْفِكْرِ الدِّينِيِّ وَالثَّقافِيِّ لِأَنَّنَا نَعْرِفُ عَقِيدَتَنَا السَّمْحَةَ (مَعَ تَحَفُّظِنَا عَلَى بَعْضِ الأَخْطَاءِ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا بَعْضُ غُلاَةِ الدِّينِ وَالتَّطَرُّفِ) وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ نَعْبَثْ بِشَرِيعَةِ أَيٍّ مِنَ الْأَطْرافِ الْأُخْرَى، وَلَمْ نُنْكِرْ إِحْدَاهَا اجْتِزَاءً، أَوْ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، رَغْمَ إِنْكارِهِمْ لِشَرَائِعِهِمْ عَنْ طَرِيقٍ مَا نَفْهَمُهُ مِنَ ازْدِرَاءٍ بَعْضِهِمْ لِلْمَفَاهِيمِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي يَعْتَنِقُهَا الْمُسْلِمُونَ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ سُخْرِيَّةِ بَعْضِهِمْ لِـمَنْ تَرْتَضَى مِنْهُمْ بِالْمُسْلِمِ زَوْجًا لَهَا، بَدِيلًا عَنْ حَالَةِ الضَّيَاعِ الَّتِي تَعِيشُهَا، مَا بَيْنَ رَغْبَةٍ مَحْمُومَةٍ، وَلَذَّةٍ مَوْءُودَةٍ قَبْلَ وِلاَدَتِهَا بَيْنَ آوِنَةٍ وَأُخْرَى، بِسَبَبِ الْحَبِيبِ الْغَائِبِ (وَالْمُغْتَرِبِ فِي دِينِهِ) إِلَى مَخْدَعٍ آخَرَ وَجَدَ فِيهِ كُلَّ الْمَلَذََّاتِ الْحَرَامَ الَّتِي لَمْ تُحَلِّلْهَا جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَطُلْهَا أَيَادِي التَّحْرِيفِ وَالْمُغَالَطَةِ، بَلْ وَجَدَهَا بَيْنَ الصَّفَحَاتِ الَّتِي تَضُمُّ الْجُغْرَافْيَةَ وَالتَّارِيخَ فِي كُتُبِ الْمُشَعْوِذِينَ الَّتِي تُوَزَّعُ فِي الشَّوَارِعِ مَعَ الضَّالِّينَ!

لِذَا بَحَثَتِ التَّائِهَاتُ مِنَ الأَقْوَامِ الأُخْرَى الَّتِي تُحَاوِلُ التَّدَخُّلَ فِي شُئُونِنَا عَنِ الْبَدِيلِ وَلَوْ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَيُمْكِنُ لَكَ أَنْ تُسَمِّيهِ بَعِيدًا عَنِ الدِّينِ بِزَواجِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ لَكَ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا أَيْضًا دُونَ الْمُسْتَوىَ الأَخْلَاقِيِ الَّذِي لَا يَسْمَحُ بِالزَّوَاجِ عَبَثًا وَلَوْ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ فِي ذِهْنِهِ هُوَ، عَنْدَمَا تَنْقَضِي الْمَصْلَحَةُ، وَرُبَّما تَعْلَمُهُ هِيَ أَيْضًا وَتُنْكِرُ عِلْمَهَا بِهِ كَيْ تَدُومَ الصُّحْبَةُ، وَلَوْ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ كَخُطْوَةٍ أُولَى نَحْوَ الْهَدَفِ، عَلَّهُ يَمْضِي بِهَا بَعِيدًا عَنْ حَالَةِ الضَّيَاعِ، وَعَدَمِ الاسْتِقْرَارِ، لَكِنَّهُ فِي الْمُقَابِلِ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِنَ الَّذِي يَتْرُكُهَا عِنْدَمَا يَجِدُ الْبَدِيلَ الَّذِي لَا يُحَلِّلْهُ أَيُّ دِينٍ لِأَنَّهُ عَبَثٌ فِي عَبَثٍ!

فَلَرُبَّمَا سَمِعَتْ بِالسَّيِّدَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ تَشْدُو بـ: قَدْ يَكُونُ الْغَيْبُ حُلْوًا، لَكِنَّ الْحاضِرَ أَحْلَى!

وَانْظُرُوا إِلَى الَّذِينَ هَجَرُوا دِينَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَانْظُرُوا إِلَى الْحاضِرِينَ الَّذِينَ تَحَرَّرُوا مِنَ الدِّينِ وَعُبُودِيَّتِهِ كَمَا تَوَهَّمُوا، وَانْظُرُوا إِلَى الَّذِينَ تَحَلَّلُوا وَتَنَصَّلُوا مِنْ دِينِهِمْ شَيْئًا فَشَيْئًا، تَجِدُهُمْ الْآنَ فِرَقًا وَشِيَعًا، وَتَجِدُ مِنْهُمْ الْغَرْقَى فِي بَحْرٍ مِنَ الْخَجَلِ، مَا بَيْنَ حُطَامِ السُّفُنِ وَأَشْرِعَةِ الْمَرَاكِبِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَعَلَّقُوا بِهَا فِي مَغْرِقِهِمْ، وَالَّتِي تَوَهَّمُوهَا مُنْقِذًا مِنَ الْغَرَقِ، وَقَدْ تَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ ضَاعَتْ مَعَالِمُهُمْ، وَفُقِدَتْ مَغَانِمُهُمْ، وَفُسِدَتْ قَرِيحَتُهُمْ، وَسَقَطَتْ هَيْبَتُهُمْ وَسَطْوَتُهُمْ بِرُمَّتِهَا مَا بَيْنَ ظَلامِهَا الْحالِكِ، وَلَيْلِهَا الدَّامِسِ، وَضَبَابِهَا الْغَامِقِ، وَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ تَاهَتْ مَعَهَا الأَخْلاقُ وَالْقِيَمُ .

وَلِأَنَّ شَرِيعَةَ اللهِ لَيْسَتْ شَرِيعَةُ الْغَابَةِ الَّتِي يَنْهَشُ فِيهَا الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، وَالْبَدينُ النَّحِيفَ، وَالثَّقِيلُ يَدْهَسُ فِيهَا الْخَفِيفَ، وَيَسْطُو الْبَلْطَجِيُّ عَلَى الْمَلِكِ الْمُقْعَدِ كَسْرًا وَقَهْرًا حَتَّى تَسَاوَتْ الْمَلِكَةُ بِالْخَادِمَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهَا خَادِمَةٌ، وَغَازَلَ الْغُرَابُ الْأَجْرَبُ كُلَّ عُصْفُورَةٍ غَضْبَانَةٍ، وَانْقَضَّتِ الصُّقُورُ عَلَى الْحَمَامَةِ الَّتِي ظَنَّتْ أَنَّهَا نَجَتْ بِبَيْضِهَا مِنَ الثَّعَابِينِ بِسَلاَمَةٍ، وَانْقَضَّتِ الْخَفَافِيشُ عَلَى الْيَمَامَةِ الغَلْبَانَةِ، وَهَلَكَ الْجَمْعُ فِي طَرِيقِ النَّدَامَةِ، وَغَاصَتْ الجُثَثُ فِي الْأَرْضِ وَذَابَتْ، وَبَحَثَتِ الْأُسودُ الَّتِي كَانَتْ تَأْكُلُ الْغِزْلاَنَ فَمَا أَبْقَتْ مِنْهَا غَزَالَةً، عَنِ الْجِيَفِ لِتَأْكُلَ مَا تَبَقَّى مِنْ نَتَانَةٍ، وَأَتَتْ النُّسُورُ فَوَجَدَتْ سَاحَةَ الْمَعْرَكَةِ أَضْحَتْ خَرَابَةً وَاِخْتَبَأَ الْبُومُ فِي عُشِّهِ نَهَارًا وَمَا عَلَيهِ فِي ذَلِكَ مَلاَمَةً!

وسوم: العدد 952