هل مازلنا نخاف..
تحدث عن الخوف لدى الإنسان الكثير من المفكرين وعلماء النفس ، وأولو الاهتمامات الاجتماعية ، وللدكتور مصطفى الفقي كلام مفيد في هذا الباب : ( الخوف ليس ظاهرة جديدة ولا صفة ذميمة، إنما هو إحساس بالخشية من أمر ما، ولذلك فالخوف صفة معتادة لدى البشر ، بدأت من الخوف إزاء غضب الطبيعة وظواهرها الاستثنائية من زلازل وبراكين وفيضانات وسيول ، وصولًا إلى خوف الإنسان من أخيه الإنسان وجبروته غير المتوقع أو المتوقع على السواء ) ، ويتابع تحليله الواقعي فيقول : (فلم يُظلم الإنسان فى حياته مثلما ظلمه أخوه الإنسان . ولقد ساوى القرآن الكريم بين الجوع والخوف وهى مساواة بليغة وعميقة ورائعة، إذ يقول الحق تبارك وتعالى ( الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) . والمساواة بين الجوع والخوف هي فلسفة بلاغية ينفرد بها الذكر الحكيم، وأظن أن الخوف ظاهرة غير استثنائية لأنها تشمل البشر جميعًا بدرجات متفاوتة ، فمنهم من يظهره ومنهم من يقدر على إخفائه) .
فنحن في حياتنا نعيش الخوف بأشكاله المتعددة ، و اعتدنا عليه وهل من معنى للحياة مالم نخف، نخاف الفقر فنعمل لساعات طويلة وننهك قوانا كي لا نكون فقراء ، والفقر بمجتمعنا له مرادف آخر وهو الضعف ، ولا أحد لديه الرغبة بأن يكون ضعيفا أو فقيرا في مجتمع لديه القدرة على التلاعب بالمفاهيم ، وإصدار الفتاوى الجاهزة والعديدة ، تُحِلُّ له ما حرّمته شرائع السماء ، وأباحته قوانين الأرض الجائرة. نخاف من قول (لا) التي قد تفقدنا محبةَ مَن هـم حولنا رغم علاقاتنا وصداقاتنا . و نخاف أن نفقد من خلالها منصبا أو صفقةً أو حتى حياة عائلية ظننا أنها مثالي ،ـ وللخوف طاقة عظمى وهو اليد اليمنى للشر في بعض الحالات ، (وربما) كان الطريقة المناسبة لأي يد تمتلك سلطة التخويف أيا كانت هذه السلطة ، إلى أن أصبح سلاحا سريع المفعول للوصول لما يريدون ، حتى استطاعت تلك السلطات زرع الخوف بأعماقنا . وبالتالي السيطرة تماما على كل ما نفكر به وننصت له وما نحاول قوله فيما لو تجرأنا على النطق!!! وكأبسط الأمثلة تلك الإعلانات التجارية ، والتي تُظهر فيها خطوط الشيخوخة على ملامح أحدهم . والحل أن تستخدم المنتج (...) لتبقى بشرتك مشدودة عمليات التجميل حين تُشير إلى عيوبهم الجسدية عند التركز على أماكن السليوليت فتجعلهم يهرعون إلى أطباء التجميل .
ثم فتنة الهاتف الجوّال بميزاته الحديثة ومنظره اللامع ، وإعلان يؤكد أنك رجعي ومتخلف مالم تمتلك هذا الجهاز ، فتخاف أنت طوال الوقت ابتداء من التفاصيل الصغيرة جدا والتي لا تجرؤ حتى البوح بها وانتهاءً بتلك الضخمة الواضحة للعيان. ولأننا دائما نشعر بأن من حولنا لديهم مخططاتهم ورؤيتهم ، وأن كل تصرفاتهم مدروسة ومحسوبة، وكثيرا ما ينتابنا شعور (لحد إيمت راح نظل نعمل اللي نعملو بدون تفكير ولا تخطيط ولا حتى تخمينات مسبقة للنتائج) ... المفاجأة أني اكتشفتُ وبعد فترة طويلة من إعجابي بحياة أحدهم ، وخطاه المدروسة ذات التخطيط المنطقي والممنهج - هكذا كنت أظن-والواقع المــر أنه مُدّع ليس إلاّ ، وأن حياته حقيقة مجرد قناع لا أكثر هو يفعل ما يفعله على أي حال - كما نفعل ذلك جميعنا أو معظمنا ثم ينتظر النتائج كما ننتظرها نحن ، فمعظم من نظنهم محنكين ويدَّعون الخبرة والحكمة ببواطن الأمور هم أشخاص مزيفون ، ولا يفضلون الظهور بمظهر المتردد ، ولا بمظهر من يفعل الأشياء ولا علم له بنتائجها ثم أن السوشيال ميديا قائم على المظاهر فَليطمئن الجميع ، ولنحاول أن نفهم حقيقة هذه الحياة الدنيا ، ولا ندع هاجس الخوف ينال من لحظاتٍ ، تتجلى فيها حكمة الله وعظمته حين قدَّر وقضى ، وكل ماكان وسيكون فإنما هو لمصلحة الإنسان إذا عرف الطريق .
طبيعة الإنسان تجعل الخوف هاجسه في كل حركاته ، فيضع نفسه في دياجير المجهول المرعب أو المظلم على أقل تقدير ، ويعيش الخوف بكل درجاته ، ويُنشئ لنفسه حالة قد تكون مرضية في بعض الأحيان لدى بعض الناس . وهذا يعد من الوهم الذي يهدم سعادة الإنسان ، ويدفن أمنه في ظلمة الحسرات التي يزداد سعيرها كلما ازداد جهل الإنسان بحقيقة الحياة الدنيا . الجرأة والشجاعة والإقدام تنفي الخوف عن صاحبها ، وحق لمثل هذا أن لايخاف ، نعم ألا يخاف إلا من الله الذي بيده مقاليد الخلود في الجنة أو في النار .
وسوم: العدد 957