الأستاذ الدكتور نعمان السامرائي وقضايا الأمة
(*١٩٢٨ _ ٢٠٢١ )
توفي يوم الخميس 25/ 11/ 2021 العالم الرباني الأستاذ الدكتور نعمان السامرائي
منذ ربع قرن التقيتُ بالأستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي بالرياض، وتوالت اللقاءات حيث صارت جلسة أسبوعية، تضم ثلة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي الإسلامي والعربي وكان المرحوم يومها أستاذًا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم في جامعة الملك سعود ، عندما كان يتحدث كان الجميع يصمت لغزارة علمه ولأسلوبه الممتع في السرد، ولثقافته الموسوعية ولمواقفه الجسورة وبصوته المنخفض الذي يجبر الآخرين على الاستماع مبتعداً عن أساليب الخطابة المنبرية التي يسلكها كثيرٌ من الناس.
الشيخ وقضايا العرب والمسلمين :
نذر الشيخ نفسه من أن وعى على الدنيا على نصرة قضايا المسلمين في كل بلد من بلاد العالم فكتب عن الاستعمار ، والأمية والجهل والعنصرية والتخلف وأسبابه، الحكومات العسكرية والانقلابات، والصحوة ، والأحزاب الشيوعية والعربية وغيرها من القضايا، لم يكن له هموم شخصية بل كان همُّه الأمة وفقرائها ومظلوميها وجائعيها وكان همه الثاني العراق ، حُرم من دخول العراق لأكثر من نصف قرن، وتروي زوجته** فتقول :" ما رأيت أحدًا غادر بلده وظل متعلقا بها مثله مع وفائه للبلد الذي عاش وعمل به، وأما همه الأول فهي فلسطين فأخذ في تعريف قرائه ومستمعيه بالخطر الصهيوني الذي سنتطرق إليه في مقالنا هذا .
الشيخ والقضية الفلسطينية :
فتفتحت عيناه وهو شاب على القضية الفلسطينية ولم يتوانَ بل شارك في العديد من المظاهرات عام 1947 مع الشيخ الصواف وغيره ، وشارك في تأسيس الجمعيات التي تعنى بالشأن الفلسطيني مثل " جمعية إنقاذ فلسطين في بغداد بباب المعظم وتعرض المقر للإحراق من قبل بعض أعداء فلسطين، وبعد جمعية إنقاذ فلسطين ساهم في تأسيس العديد من الجمعيات الدعوية في كل من بغداد والموصل وكركوك والبصرة والزبير وكتب عشرات المقالات منبها على الخطر الصهيوني ، كما ألف العديد من الكتب التي تطرقت لفلسطين والمسألة اليهودية والصهيونية منها :
اليهود والتحالف مع الأقوياء
التوراة بين فقدان الاصل وتناقص النص
الماسونية واليهود والتوراة.
إسرائيل الخطر والمخادعة .
وأما باقي مؤلفاته التي بلغت الثلاثين فكثيرا ما كان يتطرق إلى جريمة العصر في مباركة الدول الكبرى باحتلال فلسطين.
نماذج من كتاباته :
وفي مذكراته*** ص 65 قال تحت عنوان : أمريكا والمساعدات لإسرائيل :" أحسب أنه لا يوجد عربي أو مسلم لا يعلم علم اليقين أنه لولا أمريكا ودعمها المتواصل ، والفيتو الذي لم يعد يستعمل إلا لحماية إسرائيل من مجرد اللوم، لولا ذلك لم يصل ( العهر الإسرائيلي) إلى عشر ما هو عليه، ولولا الأموال الأمريكية والسلاح الأمريكي لألحقنا بإسرائيل أكثر من هزيمة ....)
وفي الصفحة التالية تحت عنوان " القضبة الفلسطينية والرهان الغريب" يقول : (بعد انتهاء الحرب العالمية بسنوات قليلة باشر الغرب واليهود بجد لقيام إسرائيل وفق خطط مدروسة وخضوع واضح من دول العالم العربي لبقايا الاستعمار.... أمتنا أنهكها الحاكم المستبد المستأسد في الداخل والمذعور من كل أحد من الخارج وهو ناعم كالحرير مع الأعداء، شرس كذئب جائع في سرب غنم .....)
وحتى خلال لقاءاتنا معه قبل نهاية القرن الماضي كانت انتفاضة أطفال الحجارة على أشدها فكم كان معجبا بأطفال فلسطين ورجالها وكان يرى أن فلسطين لن تعود إلا بالمقاومة والمقاومة وحدها فلا أوسلو أو غيرها من المفاوضات يمكن أن ترجع شبرًا تحت السيادة الحقيقية ، ولم يقتصر موقفه على ذلك بل أنه وخلال زياراته القليلة لدمشق كان يلتقي ببعض القيادات السياسية في المقاومة يستمعون له ويستمع لهم ويقدرهم ويقدرونه .
رحم الله يا أبا منذر و عوضه دارًا خيرا من داره وأهلا خيرًا من أهله.
خليل محمود الصمادي
الرياض 30/11/2021
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ولد الدكتور في سامراء بالعراق حيث ذكر ذلك في كتابه " مذكرات" ولم يذكر سنة الولادة إلا أنه قال :" وأول حدث أتذكره (بالكاد) هو وفاة الملك غازي يرحمه الله ، فإذا كانت وفاة الملك غازي 1939 فقد يكون بين مواليد 1927 إلى 1930 وليس كما ذكرت أكثر المصادر في الشبكة العنكبوتية أنه من مواليد 1935 إذ أنه تخرج في الجامعة عام 1952 فلا يعقل أنه كان في 17 من عمره. وفي موضع آخر من المذكرات يذكر أنه كان في الصف الرابع عندما قام رشيد عالي الكيلاني بثورته عام 1941 . ص 41
** السيدة فائزة السقباني" أم المنذر" دمشقية من حي الصالحية، رأست قسم اللغة العربية بمدارس نجد الأهلية قبل تقاعدها ، وله ولدان منذر ومحمد وقد أخبرتني أنه من مواليد ١٩٢٨.
***مذكرات أ. د. نعمان عبد الرزاق السامرائي الرياض ط 1 2004
وسوم: العدد 957