لو كانت المباديء تحكم الدول الغربية وغيرها عوض المصالح لما تلكأت في الاعتراف بوحدتنا الترابية
لو كانت المباديء تحكم الدول الغربية وغيرها عوض المصالح لما تلكأت في الاعتراف بوحدتنا الترابية وفي الإقرار بعدالة قضيتنا
من المعلوم أن التاريخ سجل شهادة شاهد من الغرب لم يوجد أصدق منها من قبل مفادها أن هذا الغرب ليست له صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة ، وإنما له مصالح دائمة . وهذا التوجه الذي تتولاه الدول الغربية دون استثناء ينفي عنها أن تكون لها مبادىء تحكمها ولو ادعت ذلك، لأن الواقع يؤكده ،وهو الذي لا يوجد دليل أصح وأقوى منه .
والمحك المعتمد لدينا بخصوص التزام الدول الغربية المبادىء عوض المصالح ،هو قضية وحدتنا الترابية حيث مر على استكمال هذه الوحدة ما يزيد عن أربعة عقود من الزمان ، ولا زالت هذه الدول تتلكأ في الاعتراف بها ، وتقدم رجلا وتؤخر أخرى في الإقرار بعدالة قضيتنا ، ولو كانت المبادىء هي التي تحكمها وليست المصالح لما تلكأت كل هذا التلكؤ في الإقرار بعدالة قضية واضحة وضوح الشمس ضحى .
ولنضرب مثالا على تغليب الدول الغربية مصالحها على المبادىء ، وهو يغني عن أمثلة أخرى ، ويتعلق الأمر بفرنسا وإسبانيا ،وكلتاهما تقاسمتا احتلال المغرب لعقود في فترة ضعف مر بها ، وهما تعلمان علم اليقين حين احتلّتاه حدوده الحقيقية ووحدته الترابية إلا أنهما بعد جلائهما عنه بعد استنزاف ثرواته، تصرفتا وفق المصالح لا وفق المبادىء ، ودخلتا في عملية تلكؤ مستمرة لما يزيد عن أربعة عقود بخصوص الإقرار بوحدتنا الترابية وعدالتها ، وكان من المفروض أن تشهدا شهادة حق وإنصاف لكنهما علّبتا مصالحهما وهو ما جعلهما تتخذان موقفا متخاذل كشف عن تغليبهما السلوك المصلحي على المبادىء ، والمؤسف أنهما تتدعيان التزام واحترام المبادىء ، بل الوصاية عليها ، وتتبجحان بذلك في المحافل الدولية ، وتدعيان الأستاذية في ذلك المفروضة على الدول الضعيفة دون خجل . إنهما دولتان جشعتان لا ترى في بلدنا سوى ثروته السمكية ، والفلاحية ، والمعدنية ، والبشرية أيضا من أدمغة ويد مستثمرة أو عاملة ، وهو نفس الجشع الذي تتعاملان به مع أعداء وحدتنا الترابية وعلى رأسهم البلد الجار شرقا الذي لا تريان فيه أيضا سوى مخزونه من ثروة البترول والغاز ، وهذا ما جعلهما تتبنيان موقف الخذلان بخصوص الاعتراف بوحدتنا الترابية لأنهما تريدان في نفس الوقت الظفر بثرواتنا وثروات جارتنا المتهور حكامها، والذين يحذون حذوها في تغليب المصالح على المبادىء عن عمد وسبق إصرار وعناد ، وهم الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما اعتبروه مساسا بوحدتهم الترابية ، وهي وحدة صنعتها فرنسا المحتلة باقتطاع أجزاء من ترابنا ، وهم يعلمون ذلك علم اليقين، ولكنهم يتنكّرون له ويكابرون ، وذلك ديدنهم ودأبهم للؤم ولخسة مستأصلين فيهم .
والذي أغرى فرنسا وإسبانيا وغيرهما من الدول الغربية وغير الغربية بالتمادي في تغليب مصالح على مبادىء تصون وحدتنا الترابية هو قبولنا مع شديد الأسف بالتعامل معها على هذا الأساس الجائر، وهو ما أطمعها فينا حتى صارت تهددنا بانفصاليين دفعهم اللؤم والخسة على التنكر لهويتهم الوطنية ، ورضوا بدنية القوادة ـ شرف الله قدر القراء الكرام ـ لحكام الجزائر الظالمين ، ولغيرهم ممن يشجعونهم على خيانة وطنهم وشعبهم ، ويزينون لهم ذلك ، ويمنونهم بوطن وهمي مستقل عن وحدة وطنهم ، وهي أمنية وراءها مصالح مكشوفة للذين يمنونهم بذلك .
ولا يقتصر الإجرام في حق وحدتنا الترابية على الدول الغربية بل هناك دول أخرى تنهج نفس النهج في تغليب المصالح على المبادىء في التعامل معنا ، ونذكر منها تلك التي تحرض حكام الجزائر على وطننا وعلى رأسها الدولة الروسية التي يحلم ديكتاتورها باستعادة ما تفكك من أقطار الاتحاد السوفياتي المنهارالذي كانت له ،ولا زالت يد خبيثة وماكرة في استهداف وحدتنا الترابية مع أنه كان دائما حريصا على مصالحه في وطننا . ونذكر أيضا الدولة الإيرانية الصفوية الشيعية التي كانت وما تزال تكيد الكيد الخبيث لوطننا ، وهي تحلم بنشر عقيدتها الفاسدة مشرقا ومغربا ، بخلفية شعوبيتها الفاضحة التي تجعل حكامها من عمائم السوء فيها يحلمون كحلم قيصر روسيا باستعادة ملك كسرى البائد ، ويركبون من أجل ذلك عقيدة منحرفة فاسدة يتذرعون لنشرها بادعاء كاذب لمحبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحقيقة أن أهدافهم في منتهى الخبث والمكر والدناءة ، وقد تجلى ذلك بوضوح في المشرق العربي .
إن القيصرية الروسية ، والكسروية الإيرانية وجهان لعملة واحدة ، وهما بلدان لا يختلفان عن البلدان الغربية في تغليب المصالح على المبادىء في تعاملهما مع قضية وحدتنا الترابية وعدالتها. ومما يدعو للغضب والسخط الشديدين أن كل هذه الدول التي تتاجر بقضيتنا العادلة من أجل مصالحها ـ لا تقبل بما تريده لوطننا من فصل أجزاء من أوطانها ، ولا تقبل المساس بوحدتها الترابية مع وجود شعوب وقوميات في جميعها تريد الانفصال عنها ، وليس في وطننا إلا شعب واحد وقومية واحدة، ومع ذلك تريد المساس بوحدته الترابية ، وكل ذلك من أجل مصالحها المكشوفة .
وسوم: العدد 959