التحيز الأميركي الظالم المطلق لإسرائيل ، ومناصرتها على اغتصابها الأرض الفلسطينية ، وتعدي مستوطنيها بحماية شرطتها وجنودها على المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي ، وإنزال أقسى المآسي يوميا بالفلسطينيين من استيلاء على أرضهم ، وقتل واعتقال لهم ، وهدم لبيوتهم ، واقتلاع لأشجارهم ، وسرقة لمحاصيلهم وثمارهم . وكلها جرائم وتعديات همجية تبرهن أننا أمام عصابة لا دولة ، ومن يناصر العصابة المجرمة يصنف أعتى إجراما منها . أصالة نقاء ووفاء شعب بلاد الحرمين التي جلاها الاستطلاع الأميركي أبهجتنا وأنعشت أرواحنا إلا أنها لم تباغتنا . فهذا الشعب أصلنا وأهلنا ، وما من قبيلة فيه إلا ولها امتدادات في كل الوطن العربي حتى لو اختفت بعض الأسماء القبلية لعناصر هذه الامتدادات . ونحن دائما نراقب تصرفات شعب بلاد الحرمين ، ونستطلع فيها ملامح صفاتنا وخصائص جذورنا ، ومنها الوفاء للفروع مهما تباعدت . ولا أنسى مأثرة شابة من المدينة المنورة خاطبت غزة في حرب مايو الفائت مناصرة لها بقلبها وكلماتها ، وداعية لها بالنصر ، وهو ما كان . أحسسنا أنها واحدة من بناتنا وأخواتنا . وفي هذا المسار من التلاحم العرقي العربي أراني أميل إلى مسايرة من يرى أن الفتوحات الإسلامية في العراق والشام كانت عربية الحوافز لتحرير عرب العراق من سيطرة الفرس ، وتحرير عرب الشام من الروم . وهذا ما فتىء قائما معززا بقوة العقيدة الإسلامية التي ترى البلاد الإسلامية بلادا واحدة ، ديار الإسلام ، وتعد الدفاع عنها فرض عين لا فرض كفاية . وكل هذه القيم عمل الغرب على كبتها والقضاء عليها متآزرا مع الحركة الصهيونية وكثير من الحكام العرب ، ولكنها تنبثق فورا عند أول حافز محرر لها ، وهذا ما حدث مع شعب بلاد الحرمين في استطلاع معهد واشنطون الذي لا ريب في أنه هوى على قلب إسرائيل قذيفة متفجرة ، وأنبأها نبأ حاسما أن الشعب العربي لن يقبلها إلى يوم الدين في أي صورة من صورها ، وأن تطبيعها مع الحكام العرب لن يقربها من قلب هذا الشعب .
ما أن نقرأ خبرا قوميا عربيا سارا حتى تبتهج نفوسنا ، وتتوهج معنوياتنا ، وتتعزز ثقتنا في نقاء روح أمتنا وأصالة شعور أبنائها نحو بعضهم بعضا ، ويترسخ في عمق وعينا أن ما نشهده من تآكل قومي اتخذ أقسى تجلياته القبيحة وآلمها في تهافت بعض الأنظمة العربية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل إلى حد التحالف معها سريا أوعلنيا في بعض علاماته حتى صارت تمتن عليهم بأنهم إنما يفعلون ما يفعلون حاجة إليها ، واستشعارا لقوتها . التهافت المخزي من اختيار الحكام ضمانة لديمومة حكمهم المستبد المنعزل عن إرادة الشعب . وإسرائيل تعلم هذا يقينا ، وتعلم أن الشعب العربي في أكثريته الكبرى يرفضها رفض التحريم ، ويكرهها كره الملائكة للشياطين . الخبر القومي السار يطربنا طرب الشاعر العظيم حافظ إبراهيم للصفات الحسنة في سلوك الناس حين يقول : " إني لتطربني الخلال كريمةً = طرب الغريب بأوبة وتلاقِ " . وهل ثمة أكرم من الخلال أو الصفات التي جلاها شعب بلاد الحرمين العربي الأصيل راسخة ساطعة في استطلاع معهد واشنطون الذي أبان أن 77 % من هذا الشعب الوفي يرفضون التطبيع مع إسرائيل ، ولا يراه إيجابيا سوى 16 % منهم ؟! وبطرح النسبتين من مائة نستنتج أن 7% لا رأي لهم أو ليسوا مهتمين . ويكشف الاستطلاع عن وعي شعب بلاد الحرمين في تفضيلهم أهمية علاقة بلادهم مع الصين على أهميتها مع أميركا . وهذا الوعي السليم طبيعي لم تغلبه قوة علاقة نظام بلادهم مع أميركا ، ولا تأثير إعلامه الرسمي الذي يمجد هذه العلاقة . وعي الشعوب ما عاد يصنعه الإعلام الرسمي بعد ثورة الاتصالات التي سهلت تلقي الأخبار والمعلومات والآراء والاتجاهات من مصادر متعددة . ثم هو ، شعب بلاد الحرمين ، يرى مثل غيره من شعوب العالم كيف صنعت الصين معجزات اقتصادية وتقنية وعلمية في حيز زمني بالكاد يتجاوز 70 عاما ، أي بدءا من انتصار الثورة في 1949 ، وكيف اقترب اقتصادها الناتج من قوى العمل من التفوق على الاقتصاد الأميركي ، ورجح الميزان التجاري بين البلدين لصالح الصين ب 200 مليار ، فتخلت أميركا تحت ضغط هذا الفارق عن نظام السوق الحرة والتجارة الذي سلكه النظام الاقتصادي الغربي منذ أن حدد آدم سميث ماهيته في كتابه " ثروة الأمم " في 1776 ، واندفعت تفرض ضرائب على البضائع الصينية التي تستوردها السوق الأميركية ، والمتميزة برخص سعرها وجودتها . وشعب بلاد الحرمين يرى