يوم من أيام الله
في مثل هذا اليوم ١٠٧١/٨/٢٦م
وقبل ٩٥٠ عاما
في أحد الأيام اجتمعت أوروبا في جيش بلغ عدده 600 ألف مقاتل ، ومعهم ألف منجنيق ، وكل منجنيق يجره مائة ثور ، لهدم الكعبة وإبادة المشرق الإسلامي ، وكان الجيش يضم البابا ومعه ٣٥ الف بطرك، وما لا يحصى عدده من القوات والسلاح والعدة والعتاد ، وأعلنوا الحرب الصليبية المقدسة ، وتوجهوا لديار المسلمين من أجل إفنائهم وإبادتهم ...!!!
📜 كانت الخلافة العباسية في أسوأ أيامها ، من فقر وضعف ومهانه وكانت دولة الخلافة تلفظ أنفاسها ولا تضم سوى 3000 جندي يخرجون في موكب الخليفة الذي لا إسم له ولا صفة سوى الدعاء له في صلاة الجمعة ...!!
📜 فهل انتهي الأمر ؟؟!
بالطبع لا ... وألف لا ...
كانت هناك إمارة صغيرة إسمها دولة السلاجقة كانوا يقفون كحرس حدود على مشارف الخلافة ، يصُدّون غارات البيزنطيين تارة ، وينهزمون تارة ، وكان قائد تلك الإمارة شاب صغير اسمه " ألب أرسلان " وبالعربية يعني : ( الأسد الشجاع )
📜 كان هذا البطل عائدا من خراسان ، من حرب بجيش قوامه 21 ألف مجاهد ، ما بين مصاب وفاقد لسلاحه ، وسمع بمجيء الجيش الصليبي ، فأسرع بالعودة وحاول أن يُقنع " أرمانوس الإمبراطور البيزنطي " بالرجوع ، عبر التنازل عن أراض لإمبراطوريته تارة ، وبجزية يدفعها له تارة ويغريه تارة بغنائم وأموال .
📜 ولكن إمبراطور الروم يرفض ، ويخبره أن مجيء تلك الجيوش الزاحفة وتكلُفتها ، لا تتسع لها أموال المسلمين كلها ... وأن إبادة المسلمين وهدم مقدساتهم في فلسطين والحجاز هي الثمن الوحيد ·
📜 أُسقِط في يد البطل ... وأرسل للخليفة يسأله العون والمدد ، فلم يُجبه ، معللا له سوء الحال وقلة الجند ، وحاول ألب أرسلان أن يستثير حماسة المسلمين ، ويرسل الرسل للأقطار كلها ، فلم يجبه سوى القليل ... ذهب أرسلان الى شيخه :
[ أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري ] يسأله المشورة في هذا المصاب الجلل ، فحثه على الجهاد والكفاح لدين الله تعالى ، وبكل ما أُوتي من قوة .. وهنا يخرج ألب أرسلان ، لجيشه الصغير ويُخيرهم ... من أراد الجهاد فليصمد ، ومن أراد الإنصراف فليقدم عذره لله وينصرف !!!
📜 وهنا يقف الشيخ العظيم وسط الجيش يقول لهم : ( هذا يوم من أيام الله لا مكان فيه للفخر أو الغرور ، وليس لدين الله وحرمة دم المسلمين ومقدساتهم في كل الدنيا سوى سواعدكم وإيمانكم ..... ) ويلتفت الشيخ الى الأسد الشجاع ويقول له : اجعل المعركة يوم الجمعة حتى يجتمع المسلمون لنا والخطباء بالدعاء في الصلاة .
ㅤ ㅤ ㅤ
📜 وبالفعل إستجاب أرسلان ، لهذه النصيحة التي تشرح بأقلّ العبارات أسباب الإنتصار المادية والمعنوية ، فالمجاهدون يحتاجون تماماً للدعاء ، مثلما يحتاجون إلى السيف والرمح ، وفي يوم الجمعة 7 ذي القعدة 463 هجرية الموافق 26 من شهر آب أغسطس 1071م، قام ألب أرسلان وصلى بالناس إمامآ وبكى خشوعاً وتأثراً ، ودعا الله عز وجل طويلاً ، ومرغ وجهه في التراب تذللاً بين يدي الله ، واستغاث به ، وعقد ذنَب فرسه بيديه ، ثم توجه للمجاهدين مخاطبآ :
" من أراد منكم أن يرجع فليرجع فإنه لا سلطان ها هنا إلا الله "......
ثم امتطى جواده ونادى بأعلى صوته في أرض المعركة : " إن هزمت فإني لا أرجع أبداً ، فإن ساحة الحرب تغدو قبري "
وبهذا المشهد إستطاع ألب أرسلان أن يحول 21 ألف جندي إلى 21 ألف أسد من اسود الله تعالى !!!
📜 وفي موقع اسمه :
[ ملاذكرد جنوب شرق تركيا ]
يُقسّم أرسلان قواته ويعزل ويرص الرُماة بين جبلين ، ويتقدم بقواته ليستقبل طلائع الرومان البيزنطيين ، بينما تأخر بقية الجيش الأوروبي ... انقضّ الرومان بقوات بلغت ستين ألف مقاتل ، فتقهقر أرسلان وانسحب إلى الممر ( بين جبلين ) .. وخرج منه وانتشر خلفه ، وقسّم قواته إلى فرقة تصدّ المتقدمين، وفرقة تتقدم وتلتفّ من جانب الجبل ، وتغلق الممر من الأمام ، وبهذا يغلق الممر تماماً ، ويحاصرهم في كمين من أحكم الكمائن في تاريخ الحروب .
📜 دخلت القوات البيزنطية ، وانتظر حتى امتلأ بهم الممر ، وأشار للرُماة ، فانهالت عليهم السهام كالمطر ، وهنا يقول العميد الركن محمود شيت بخطاب معلقا علي تلك الحالة : ( إن الرماة كانوا رماة استثنائيين وفوق العادة ، فقد أبادوا ستين ألفا من المحاربين في ظرف ساعتين ، لدرجة أن فرقتين حاولوا الصعود على جانبي الممر لإجلائهم ولكن السهام ثبتتهم ، واخترقت أجسادهم بالمَمرّ فغطّته بجثثهم .. ومن حاول الخروج من فتحتي الممر كان المسلمون السلاجقة في انتظارهم يذبحونهم أحياء)
📜 علم الأوربيون بالهزيمة ، فتقدمت قوات أرمينية وجورجية وروسية ، فاستقبلتهم فرقة المقدمة فأبادتهم .....
فاشتد الخلاف بين قادة الجيش الأوروبي ، وتبادلوا الإتهامات وحدث الخلل ، ورجعوا لبلادهم وانسحبوا منهزمين ، وتركوا بقية البيزنطيين فانقضّ عليهم ارسلان، فقُضيَ عليهم وأبادهم عن بكرة أبيهم ، ووقع الإمبراطور البيزنطي في الأسر ... وكان يوماً من أيام اللهتعالى العلي العظيم .. !!!
📜 هل كان أحد يتخيل ما حدث ....
هل بالعقل والمنطق والحسابات الأرضية ، من يتصور أن يصمد 21 ألف مقاتل أمام النصف مليون مقاتل أوربي مُتشبّع بالدم والحقد الأسود ومدججين بأحدث أسلحة زمانهم !!
نعم : المسلمون أخذوا بالأسباب من حشد الجند والسلاح والتدريب مهما قل العدد والعدة ... وتوجهوا الى الله تعالى يطلبون منه النصر عل الكفار ...
{ وما النصر الا من عند الله }
وهكذا دخل اسم القائد الب آرسلان قلوب الأمة فترى اسمه قد انتشر ويطلق على الذكور تيمنآ وحبآ وعرفانا بين شعوب الاتراك والشيشان والشركس والبوسنة والهرسك ... وغيرهم ... حتى الآن .
وسوم: العدد 959