من أساليب الحكام المستبدين تفريق شعوبهم إلى أنصار يتخذونهم ظهورا ذلولة يمتطونها و إلى خصوم يخونونهم
من أساليب الحكام المستبدين تفريق شعوبهم إلى أنصار يتخذونهم ظهورا ذلولة يمتطونها و إلى خصوم يخونونهم ويتوعدونهم بالويل والثبور وعواقب الأمور
نهج الرئيس التونسي ،وهو آخر من التحق بشرذمة الحكام المستبدين في العالم العربي نهجهم في التفريق بين الشعب التونسي إلى أنصار امتطى ظهورهم وخصوم يخونهم بعدما انفرد باتخاذ إجراءات أحادية تعسفية عطّل بموجبها ما شاء من فقرات دستور ما بعد ثورة ربيع الشعب التونسي استعدادا لتغييره جملة وتفصيلا ليكون وفق مقاسه هواه جريا على دأب الحكام المستبدين ، كما أبقى على تجميد البرلمان الشرعي ، وهو ما يعني حله بطريقة تعسفية ضاربا عرض الحائط إرادة الشعب المصوت على اختيار أعضاء مؤسسته التشريعية الضامنة لسيادته وحكم نفسه بنفسه وقد فشل المستبد الجديد في التعامل معها بعد انتخابه ديمقراطيا كرئيس للجمهورية ، وكانت نيته مبيتة بداية ومنذ توليه زمام الأمور في البلاد إذ كان يخطط لنسف المسار الديمقراطي الناشئ في تونس والذي يعتبر تهديدا لقوى خارجية ماكرة و جهات إقليمية مستبدة ليس من مصلحتها أن تنجح أية ديمقراطية في الوطن العربي ليظل بقرة حلوب بالنسبة للقوى الخارجية الماكرة التي لا مبادىء تحكمها كما تدعي بل تحكمها مصالحها وجشعها ، ولتظل جهات إقليمية فاسدة أوكارا للاستبداد يرتبط وجودها بمصالح القوى الخارجية الماكرة .
وإن يعجب الإنسان ،فعجب أن يصل الرئيس التونسي إلى مقاليد السلطة ديمقراطيا ثم يتحول إلى ديكتاتور مستبد على طريقة سلفيه سواء الذي هلك بعد خرف في أرذل العمر مع طول استبداد ، أو الذي فر هاربا من ثورة الشعب وهلك وقبر خارج تونس بعد أعتى استبداد .
والمفارقة أن الدول الغربية العلمانية التي تدعي الوصاية على الديمقراطية في العالم ، والتي كانت تعبر عن مخاوفها عليها من وصول الأحزاب ذات التوجه الإسلامي إلى السلطة في الوطن العربي ، بلع قادتها ألسنتهم لمّا أجهز الرئيس التونسي على المسار الديمقراطي، الشيء الذي يقيم عليهم حجة تورطهم الدامغة في هذا الإجهاز المكشوف حرصا على مصالحهم ليس في تونس واحدها بل في عموم الوطن العربي ليظل مرتعا خصبا، وموردا ثرّا منه تجبى إليهم ثمرات. ثمرات كل شيء .
وإذا كان هذا الغرب المتبجح بالوصاية على الديمقراطية في العالم قد سكت على الانقلاب الدموي العسكري في مصر، وهو انقلاب على المسار الديمقراطي وعلى الشرعية ، فكيف لا يسكت على الانقلاب على المسار الديمقراطي في تونس بهذه الطريقة الماكرة والخبيثة ؟
ومعلوم أن الحكام المستبدين عبر تاريخ البشرية الطويل دأبهم وديدنهم أن يفرقوا بين الشعوب التي يتسلطون على رقابها ، فيجعلون منهم أنصارا يكونون بطانة لهم ، وخصوما يبررون بخصومتهم تماديهم في الطغيان والاستبداد ، وهو ما قام به الرئيس التونسي ، وتجلى يوم أمس في المشهد التونسي بعاصمة البلاد حيث وقف خصومه ينددون باستبداده ، وفي المقابل وقف " أنصاره " والحقيقة أنهم مجرد ظهور يركبها وقد استخفّها فأطاعته لتمجيد استبداده على حد تعبير عبد الرحمان الكواكبي رحمه الله تعالى . وهذا المشهد المعتاد من كل حاكم مستبد يكرر نموذج الاستبداد والطغيان الفرعوني المذموم في كتاب الله عز وجل . ولقد كرر الرئيس التونسي مخاطبا العناصر التي امتطاها مقولة فرعون الذي امتطى من قبل ظهور من كان يستخفهم فيطيعونه : (( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد )) ، وهي عبارة تساوي قوله لهم : (( أنا ربكم الأعلى )) ، وقد سبقه إلى هذا القول السخيف المشير الغدّار في مصر والكاذب في قسمه أمام الله عز وجل وبين يدي رئيس شرعي اختاره الشعب المصري ، والذي صدق اليمين الكاذبة للمنقلب عليه وسافك دمه وهو في الأسر التعسفي .
وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن تصريح الرئيس التونسي بالانقلاب على المسار الديمقراطي مع زيارة الحاكم المستبد في الجزائر والمجهز بدوره على ثورة الشعب الجزائري من أجل الديمقراطية الحقيقية ، والحياة الكريمة ليهنئه على تماديه في استبداده وطغيانه ، ويدعمه ، وينسق معه للمزيد من الطغيان والاستبداد ، ومن تشتيت الصف العربي .
وطالما ظلت الظهور والمطايا ذلولة طيعة مراكب الحكام الطغاة المستبدين في الوطن العربي ، فلن تشرق شمس الديمقراطية فوقه أبدا ، ولن تشرق إلا إذا زالت تلك الظهور والمطايا ، ولم يبق إلا العصيّ عليهم من أبناء الشعوب العربية التي لا يمكن أبدا أن تزول أرومتها الطيبة مهما طال الزمن واستكبر الاستبداد.
وسوم: العدد 960