أطروحة الدكتور صبحي المغربي في حياة يحيى حاج يحيى وأدبه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الكريم ، أما بعد ؛ فإن المرء يكتب مقدمة لكتاب أو مقالٍ تقريظاً أو وصفاً ، أو مجاملة لصاحب الكتاب أو من يُكتَب عنه لمعرفته، أو للأمر كليهما ، فتراه يجامل حيناً ويباسط – أدباً- حيناً آخر.

لكنني حين طلب إليّ صاحب كتاب ( يحيى بشير حاج يحيى ، حياته وأدبه )الدكتور الفاضل (محمد صبحي بن محمود مَغرِبي) حفظه الله تعالى أن أكتب مقدمة لهذا الكتاب الذي يترجم أعمال الأديب الفذ والشاعر الأريب أبي البشر ( يحيى حاج يحيى) أطال الله عمره وأحسن عمله شعرت أنني أكتب عن جزء من حياتي ، فأخي الشاعر الأديب ( أبو البشر) نبضات من حياتي في الثانوية والجامعة ( كلية اللغات) إذ ذاك، ثم الجندية والعمل الأدبي في حلب ، كما أن سنوات الغربة جمعت بيننا في عمل واحد ، ولم ينقطع الاتصال حين حطَّ الأديب في المدينة المنورة ، وكنت في الإمارات ، أزوره في الصيف كلما عرّجت على الشام ذهاباً وإياباً، فما ينقطع ظمئي من نبع الحب والصداقة ،أطال الله عمر أخي يحيى ، وكلله المولى بالرضا والقبول.

كنت أعلم منذ سنوات أن الأديب البليغ الدكتور محمد صبحي المغربي يتابع كتابات أخينا الأستاذ يحيى الشعرية والنثرية والفكرية راغباً في دراسة أدبية تترجم لأبي البشر يحيى آثاره في أطروحة للدكتوراه نالها بامتياز، فقلت في نفسي : لعل الله تعالى يقبل أخويَّ الفاضلين في عباده الصالحين ، الأول فيما أبدع ، والثاني فيما درس ووقّع بأسلوب ناقد جامع .

وأحسن الدكتور محمد صبحي عرض الكتاب فتحدث عن سيرة حياة المترجم له ، فقد كان جاره وزميله في مدارس ينبع الصناعية في المملكة السعودية ،عاش معه سنوات بَنَتِ الألفة والتقارب بينهما ، ثم بدأ بنتاجه الشعري بأنواعه المتنوعة ، فعرض باختصار دواوينه الشعرية التي عشت ولادتها واحداً إثر واحد فقد كان الشاعر يرسل إليّ قصائدها كلما نضجت ، ولعلنا نكون معاً حين يأتيه شيطان الشعر الذي اسلم على يديه ،أو قل هادنه فكان ما يكتبه رحيق إيمان وشذى دعوة.

أزعم أن المؤلف أحسن بذكر بعض الأغراض الشعرية حين عرّج على كل غرض من أغراض الشعر ، فاختار عدداً من الأبيات من قصائد عدة تثري الفكرة ويعلق على المعاني دون شرحها فأسلوب الشاعر واضح الفكرة سهل التناول، ولعلي أراه ببساطته ( السهلَ الممتنع) .

وانتقل الأديب المؤلف إلى الشعر المسرحي والاجتماعي فأجاد في عرض مسرحية "محاكمة مهدي"و" مسرح الغضب " وغيرهما فناقش في الحرية والحق والثورة والعدالة التي طرحها الشاعر فيهما ، وعلق عليها بأسلوب راق يدل على تفاعله بها.

وأشار المؤلف إلى اهتمام الشاعر بالقيم الدينية والأخلاقية حين اقتبس بعض الومضات المناسبة في شعر الحبيب يحيى لأركان الإسلام ونبّه إلى اهتمام الشاعر بالألفاظ القرآنية والأسلوب النبوي الراقي ، وأنه جلّى بعض ملاحم المسلمين وعظّم التاريخ الإسلامي .

قد يستفيد الشاعر والأديب من دُرَرِ من سبقه من كبار الشعراء ، وهذا مافعله أبو البشر وأكده المؤلف إذ أشار إلى قصيدة الأستاذ يحيى التي رددها المنشدون :

         يا موكب النور مزِّق حالك الظلم       فأمة الحق لم تهدأ ولم تنم

التي تذكرنا بميمية شوقي ..( ريمٌ على القاع بين البان والعلم)

وناقش المؤلف ما قاله النقاد في أدب أبي البشر في الفصل الثالث من أطروحته فذكر عدداً من أقوال الأدباء في مؤلفات المترجم له ، فجلّى إعجابهم ورأيهم في شعره ونثره فأجاد في ذلك .

وذكرالمؤلف حفظه الله مؤلفات الأديب أبي البشر المطبوعة وغير المطبوعة وهي كثيرة .

أظن المؤلف سدّ ثغرة في أدبنا العربي الحديث ، حيث ترجم لشخصية أدبية مرموقة حيٍّ ،أطال الله عمره ونفع به،وهو إذ يفعل ذلك يدعو الدارسين إلى الاهتمام بالأحياء ودراسة آثارهم عربوناً على تقديرهم والإفادة منهم ، وما أروع إجلال هؤلاء الرجال وهم بين ظهرانينا ..

وسوم: العدد 960