نبويون أكثر من الأنبياء
لا شك أن مهمة المؤمن محاولة إنقاذ من يستطيع إنقاذه من الناس حوله من النار و يدعو للبعيدين بالهداية إلى الحق و الدين الصحيح .
و لكن … إن بادله الآخرون بالعداء فليس له إدارة الخد الأيسر بعد أن لطم الأيمن ، فهذه ليست من ديننا بل هي من شيم الجبناء.
و لا ينبغي لنا أن نكون نبويين اكثر من الأنبياء في تعاملنا مع الأعداء، و عندما نقول الأعداء فلا نعني بهم عموم الكفار ، بل نعني بهم الفجار من الكفار ( و ممن ينتسبون زورا إلينا ) الذين يعتدون علينا و يحاربوننا و يسرقوننا و … و … و هذا ما ميزه القرآن الكريم بين نوعين من الكفار ، كفار بشكل عام و هؤلاء نتعامل معهم بالمثل حسناً إن أحسنوا و مقاومة إن أساؤوا ، و النوع الآخر الذين جاء ذكرهم ( فجار كفار) فهؤلاء ليس بيننا و بينهم إلا العداوة …
سيدنا نوح عليه السلام و هو من أولي العزم دعا ربه على قومه الكفار بقوله ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10)) القمر
ثم زاد في دعائه عليهم و قد ازدادوا كفرا و طغيانا و استهزاء ( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) ) ( نوح) مع انهم قومه ومنهم ابنه و اقرباؤه ، و لما دعا للمؤمنين من قومه استثنى الظالمين منهم من دعائه ( رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح]
أما سيدنا موسى عليه السلام الذي ارسله الله و أخاه إلى فرعون و قومه و زودهما بالتوجيه العظيم ، بأن يكون كلامهما لينا ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)[ طه].
و بعد ان بذل مع اخيه كل ما يمكن من القول اللين و تقديم المعجزات و البراهين على صدقه و وصل إلى طريق مسدود و أن ذلك لا يجدي نفعا معهم ، عندئذ دعا ربه ( وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةً وَأَمْوَٰلًا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰٓ أَمْوَٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ) ٨٨ [ يونس]
ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم
فما بال بعض إخواننا الذين عانوا و قاسوا و ظُلموا و اضطُهدوا، تأخذهم العاطفة في مسار خاطئ مع أعدائنا الذين اعتقلونا و أعدمونا و اعتقلونا و طردونا و شردونا و سرقوا أموالنا ثم لاحقونا إلى ملاجئنا المبعثرة حول العالم ليتجسسوا علينا و معهم مهمات مجهولة ، فما بال إخواننا تأخذهم عاطفة خاطئة في مسار خاطئ ليدعوا لهم بالهداية و يشككوا في النوايا بأنه من المحتمل ان يكونوا تابوا و انشقوا عن عصابات الإجرام ، فلا نفضحهم و لا نحاسبهم ….
لا شك أن التوبة عند الله مفتوحة مالم تصل الغرغرة ، و لكن التوبة لها شروط ، منها اعادة الحقوق إلى أصحابها ، فإن كان التائب لا يستطيع رد مقتول إلى الحياة ، فعلى الاقل يتوجب عليه أن يعتذر لأهل القتيل و يقول لهم : كنت مجرما كافرا لما قتلت ابنكم و أنا اليوم آمنت و تبت إلى الله الذي هداني إلى الحق بعد أن اعترفت بقتل سبع و عشرين بريئا كما اعترفت باغتصاب سيدتين طاهرتين عفيفتين و شاركت في قتل عشرات آخرين و في خطف و اخفاء اضعاف ذلك و لعلهم لم يتمكنوا من اثبات اكثر مما اعترفت به ، ها أنذا بعد كل ذلك أعتذر إليكم فان شئتم قبلتم اعتذاري و إن شئتم اقتصيتم مني و ان شئتم دفعت لكم الدية …..!!!!
و نحن كبشر لا يمكننا ان نقول الا أن الله وحده هو الذي يعلم الصادق من الكاذب و هو وحده الذي يقبل التوبة عن عباده ، أما نحن البشر فإننا نحتكم إلى الأحداث و الشهود و الإثباتات المادية من حولنا .
وسوم: العدد 964