عبق الطين، إلى ذاك القُراح المُنسكب على ثرى قبر الشيخ: عيسى الحبارة (رحمه الله)
لن أُطيل المقام كيما أشد انتباهك في هذه المقالة، ولن أتلمس الجوانب الرثائية لهذا الفقيد العزيز، ولن أمتطي ركاب المدح بعد رحيله؛ لأن حضوره أولى بهذا المقام والاهتمام!
فقد بات موته غصة في قلوب من تابعه، وسار على خُطاه، وما السر في هذا الارتباط إلى الان؛ حتى باتت مقاطعه موضع الشاهد والمشاهد؟!
أجل، رحل الشيخ " عيسى الحبارة" عنا، وترك العشرات من المقاطع المُختزلة بالتأثر والتأثير، والاتباع الحسن عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما أودع حبه في نبض من عرفه وأجفان من احتواه..
فقد تميز هذا الشيخ الفاضل (رحمه الله) في إنسانيته الواضحة، وكلماته الراسخة، وتواصله مع البسطاء، وما يدور حولهم من أمورٍ حياتية مُعاشة على الدوام..
فما حالك أخي المُتابع وأنت تستمع إليه؛ وهو يُجلجل في خطابه بالأخوة تارة والأبوة منارة؟
وما مقامنا ونحن الآن نثقل كاهله؛ عبر نبرة صوته ورقة سمته واتصاله مع ربه؛ فوق شلالات ملاطفته لإصلاح شؤون الأسرة ورُقي المجتمع بحضور الدورات والندوات؟
وما قولنا الآن حينما نقف على همساته بعين الوعي؛ والتي صرف جٌلَّ وقته لإظهارها؛ ومن ماله لإخراجها؛ ومن عزيمته لنشرها؟
وهل يتذكر مشاهير التصوير كلامه لهم على وجبة العشاء واحتساء الشاي: "أعطوني مُلاحظاتكم وتوجيهاتكم عبر ما أطرحه في حسابي؟".
فقد نزل هذا الشيخ (رحمه الله) إلى مواطن المُجتمع، ليُرمم احتياجاتهم على مبادئ القرآن، وأحاديث البيان، ليجدد مكارم الأخلاق على مضاعف الغيث العميم "الدين المعاملة".
ومن يُميزه رضوان الله تعالى عليه بين أقرانه، وربما بمن سبقه في سلاسة خطابه وتحضيره، ولسانه الرطيب، وإعداده الوصيب، باسم الإله الجبار، ونبيه المُختار، وآله الأطهار، وصحبه الأخيار؛ حتى أوجد من نبضه الاتباع لكل الأطياف والمصاف.. فقد خرج "رحمة الله عليه"، من جلباب مشلحه للناس، وذلك لرسم الحواس ببساطة شاملة، وتحدث بألسنتهم، وامتزج مع أطيافهم، وتلمس أرواحهم، وأطرها بأسلوب اللين والبشاشة والتوجيه، حتى صارت وقفاته مُختارة، ومقاطعة شارة بين مضامين الخطابات، لأنه سكن شغاف القلوب بكل صدقٍ واحترامٍ واهتمام..
نعم، لقد تعرفت على هذا الشيخ (رحمه الله) عام 1427هـ في موسم الحج، عبر المشاعر المُقدسة بالمدينة المنورة ومكة المكرمة، وكان خطابه الرئيس يوم عرفه بالاتباع، لامتلاكه الصوت الجهوري في الدعاء، وما زلت أسأل ذاتي: ما سر ابتسامته وكلامه ونعيه للموت؟!
وما الأُحجية التي حبب الناس لخطابه إلى الآن؟
وما مدى تأثير مقاطعه القصيرة حتى الساعة؟
فالرحمة والبركات على روحك يا شيخ الموعظة والتأثير..
وسوم: العدد 964