الصيام عن الكلام ليس نسكا في شريعة الإسلام ...!!

وأكتب هذا تذكيرا للمتعبدين بالصمت في موطن البيان. وكما قرروا أنه لا ينسب لصامت قول، قرروا أن الصمت في معرض البيان بيان. بمعنى أن صمت المتهرب من قول الحق رغبة أو رهبة محسوب عليه.

وأحداث كثيرة تمر بنا على الأرض السورية، منها ما يتعلق بتقلبات المناخ، برد وثلج وانجماد، مع حاجة وجوع وعري وخصاصة. ومنها ما يتعلق بشأن السوريين العام، والأقلام التي تخط أقدارهم، وهم غائبون أو مغيبون. وفي كثير من المعامع تختلط الأوراق وتشتبك الخيوط حتى يصعب على الماهر الخريت عزلها، ورد فروعها على أصولها، فيتناوش الحديث المتناوشون، كل يصف الفيل مما قبله، حسبما تصل إليه يده.

وفي كل مرة أصغي وأصيخ كالذي أصغى أن يكون حيَا، أقول لعلي أسمع أو أرى ما ينفع، وما يجمع ، وما يشجع، وما يوحد وما يبني؛ وكلمة الكبير كبيرة. ونحن نشأنا أو نشّأنا على أن لا ننازع الأمر أهله !! وأنا حتى اليوم لا أدري ماذا أقول، فيما يجري على أهلنا في الحسكة وما حولها، وكتبت كليمة مفتوحة قلت فيها إن ما يجري هناك أمر له ما بعده ، فثار في وجهي من ثار..

وبت مع حسني ظني في الناس، أعتقد أن بعض هؤلاء الصامتين من مرجعيات وعلماء وفضلاء وأصحاب مكانة، ممن إذا قالوا أصغى الناس، فقالوا بقولهم، واعتدوا برأيهم، بت أعتقد أن هؤلاء الصامتين من الحكماء والفضلاء وأصحاب المكانة قد باتوا- لدأبهم على صمتهم - يتعبدون الله بالصمت، ويتقربون إليه بالإمساك عن الأمر والنهي، ولعل بعضهم سمع الله سبحانه وتعالى يخاطب سيدنا زكريا (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) أو يقول عن سيدتنا مريم الفضلى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)

فأحببت أن أكتب أن الصيام عن الكلام ليس من شريعة الإسلام. وأنه ليس صحيحا الذي علمونا إياه أن الكلام من فضة والصمتَ من ذهب. وأن الكلمة في موضعها جناح إلى مقام سيد الشهداء. ويكون الناس حولك يتجادلون في قضية علمية فقهية، وتعلو أصواتهم فلا يجدون عالما حكيما رفيقا يردهم إلى الحق، ويأخذ بأيديهم إليه!!

واليوم ونزلاء الخيام من كرام النساء والرجال يعيشون محنتهم في أجواء الانجماد تتعالى قالة السوء تصدر عن بعض الناس بحسن نية ممزوجة بالجهل والقصور، وتصدر عن آخرين عن سوء طوية، وخبث مقصد، تشكك في عمل المسعفين العاملين، وتتهمهم، وتدعو الجمهور العام إلى وقف التعاون معهم، أي تدعوهم إلى البخل بذريعة ما تحكي عما يجري من غلول ...

(وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ)

إن كل ما ورد في القرآن الكريم عن الصيام عن الكلام. هو من شرع من قبلنا. وشرع من قبلنا لا يكون من شرعنا إلا بإقرار له من أصول شريعتنا.

فيا أيها المتعبدون بالصمت انطقوا وبينوا وامروا وانهوا وفقهوا وعلموا وعظوا ..

واعلموا وأنتم الأولى أن تعلموا أن البيان للناس، هو حق من لم يعلم على من علم. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية أيهما أولى بالعبد التسبيح أو الاستغفار. فقال الاستغفار كالصابون، والتسبيح كالطيب، فالأولى بالعبد المذنب كثرة الاستغفار.

وتعليم الجاهل ما يخصه وما يعنيه وما يخوض فيه فرض، وتذكيره بالذكر والنوافل نفل...وأنظر إلى ما يكتبون!! وما خط إنسان مسلم في هذا الفضاء كلمة من جهل إلا كان للذين لم يعلموه وزر فيما كتب وقال ودعا..

(اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ)

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 965