فرض الحروب بالوكالة

لم تكتف الدول الكبرى بفرض سيطرتها على العالم بتوظيف ترسانتها العسكرية الجبّارة التي لطالما هدّدت بها دول العالم. بل تجاوزت ذلك وتمادت في غيّها وجبروتها بأن فرضت على عديد دول العالم وخاصّة الضعيفة منها القيام بالحروب بدلا عنها وبالوكالة.

وللتذكير فإنّ أولى الحروب التي فرضتها الدول الاستعمارية على الدول الضعيفة هي الحروب التي فرضتها على العالم العربي والإسلامي وأوكلت مهمّة تنفيذها للكيان الصهيوني الذي غرسته في قلب الأمّة العربية والإسلامية ليكون ذراعها الطولى التّي تضرب بها الدول العربية. فلا تكاد تمرّ سنوات قليلة حتّى يشنّ هذا الكيان المسخ حربا جديدة على الأمّة الإسلامية. وعلى سبيل الذكر لا الحصر نذكر في هذا الصدد : قيام إسرائيل سنة 1948 ، احتلال القدس وحرق المسجد الأقصى سنة 67، اجتياح جنوب لبنان سنة 1982، اجتياح بيروت سنة 2006، اجتياح غزّة سنة 2009، اجتياح غزّة سنة 2016...

أمّا ثاني هذه الحروب فهي ما فرضته الولايات المتحدة من حروب على الدول العربية وكالة عن أمريكا : فما إن قامت الثورة الإيرانية وفشلت الولايات المتحدة في تحرير دبلوماسييها في سفارتها بإيران حتّى حثّت العراق على الهجوم على إيران وتسبّبت بذلك في حرب ضروس بينهما امتدّت على مدى ثماني سنوات أتت على الأخضر واليابس. ثمّ أوحت للرئيس العراقي صدّام حسين أنّها لا تمانع في غزوه للكويت. ولمّا غزا الكويت تحالفت مع 39 دولة بما فيها بعض الدول العربية(أو فرضت عليهم الدخول في الحرب) لتحرير الكويت في مرحلة أولى وغزو العراق في مرحلة ثانية والعودة به إلى القرون الوسطى، خدمة للمصالح الأمريكية العليا. وكان الغرب في كلّ مرّة يتخذ من حقوق الإنسان مطيّة لتنفيذ سياسته الاستعمارية.

أمّا ثالث هذه الحروب فهي تلك التي تحاول الولايات المتحدة فرضها بالقوّة على الدول الغربية الضعيفة. فهي اليوم تفرض حربا على أكرانيا وتجرّها جرّا للدخول في حرب غير متكافئة مع روسيا إرضاء لشهواتها بما يمكّنها من إغراق روسيا في المستنقع الأكراني. ذلك أنّ الولايات المتحدة لاهي فتحت الباب في وجه أكرانيا للدخول في الحلف الأطلسي ولا هي أغلقته في وجهها لكي تمنع روسيا من الدخول في مغامرة حربية. وإنّما تركته مواربا من أجل إثارة الدبّ الروسي وجرّه إلى المستنقع الأكراني. وهو ما حصل فعلا. وكل يوم توسّع الولايات المتحدة الأمريكية في دائرة الحرب(حرب برية جوية إعلامية مالية اقتصادية ...). يتمّ كلّ ذلك لإنهاك العدوّ الروسي بنضالات ومآسي وأحزان ومصائب الشعب الأكراني. فالولايات المتحدة الأمريكية لا يهمّها ما تسبّبه من مصائب للشعب الأكراني بقدر ما يهمّها تحقيق أهدافها القذرة لبقاءها كقطب أوحد. وأقصى ما فعله الرئيس بايدن(إضافة إلى الدعم العسكري النسبي لأكرانيا لكي تظلّ تقاوم) أنّه طلب من أعضاء الكنغرس الوقوف إجلالا وتعظيما للشعب الأكراني على مقاومته الباسلة التي يخوضها.

وفي المحصّلة كانت الشعوب والدول الضعيفة في ما مضى تحتمي بالدول العظمى لتذود عنها عند الحاجة، وإن دفعت في سبيل ذلك الأموال. أمّا اليوم فقد أضحت طعما يقع إعداده لاصطياد دول عظمى وإضعافها وإغراقها في مستنقعات الحروب والأزمات إرضاء لنزوات السياسيين المجرمين الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصنّفهم ضمن دائرة البشر ذوي النزعة الإنسانية. يحدث ذلك في ظلّ وجود منظّمة الأمم المتحدة التي قامت على تفادي الحروب واحترام حقوق الإنسان وحماية المدنيين والأطفال والنّساء والعزّل من الناس.

وسوم: العدد 971