عيد المرأة فرصة تجديد المرأة المسلمة صلتها بخالقها واعتزازها بما أحاطها به من لطيف عنايته وجميل صيانته
مع انتقال العالم من عهد الأقطار النائية المتباعدة الصعب تواصل شعوبها قبما بينهم إلى عهد عالم تحول إلى قرية صغيرة درهم مسك يعطرها على حد قول المثل المغربي ، وذلك بسبب التطور الهائل لتكنولوجيا التواصل حتى أصبح الفرد في أضخم مدن العالم يتواصل مع آخر في أقصى بقعة نائية في المعمور ، وهو يراه رأي العين ، ويسمعه ، ويحاوره ، صارت مختلف العادات البشرية عند مختلف الأعراق والأجناس ،وفي مختلف المعتقدات والثقافات والعادات تنتشر بين البشر انتشار النار في الهشيم ، وصار الناس ينخرطون فيها بوعي أوبدونه كأنهم جموع يجرفهم تيار نهر كبير ، ويسير بهم إلى وجهة يجهلونها ، وقد يكون فيهم من لا يشعر حتى بالتيار وهو يجرفه جرفا .
ففي مثل هذا الوضع الذي صارت عليه البشرية اليوم ، ابتدع الاحتفال بأيام أصبحت تنعت بالعالمية ، وهي كثيرة حتى أنه لا يمر بالإنسانية يوم إلا وهي محتفلة بأحد نلك الأيام ،كل أمة تحتفل به على طريقتها وبأسلوبها ، ووفق قناعتها و وفق طبيعة ثقافتها .
ومن تلك الأيام يوم الثامن من شهر مارس آذار ، وهو يوم مخصص للاحتفال بما سمي يوما عالميا للمرأة ، ونعته بالعالمي يوحي بأن العالم كله معني بالاحتفال به مع أنه يمر بالنسبة لأعداد كبيرة من البشر دون اكتراث به .
ومع أن الذين ابتدعوا الاحتفال بهذا اليوم كان منطلقهم التعريف بقضية المرأة الغربية التي كانت تعاني من ظروف معيشية سيئة في حقبة تاريخية معينة ، فإن بعض الجهات وبعض التوجهات أبت إلا إسقاط وضعيتها على كل نساء العالم دون مراعاة اختلاف الثقافات والهويات ، وهو إسقاط فيه ما فيه من تعسف .
ولمّا كانت المجتمعات المسلمة جزءا من هذا العالم أو لنقل من هذه القرية الصغيرة ، لم يكن بد من أن يفرض عليها الاحتفال بهذا اليوم العالمي بشكل أو بآخرخصوصا وأن المجتمعات الغربية العلمانية ترى أن أسوأ وضعية تعيشها المرأة في العالم هي وضعيتها في المجتمعات الإسلامية عربية وأعجمية ، وهو ما صادف هوى في نفوس المتشبعين والمتشبعات بالفكر الغربي العلماني الذي يعتبر عندهم فكرا مثاليا لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو واجب الوجود في كل أرجاء المعمور ، وويل لمن سولّت له نفسه الطعن فيه أو حتى مجرد توجيه أدنى انتقاد له، كأنه المقدس الذي لا ينبغي أن ينتقد ، فصاروا يجدون في يوم الثامن من شهر مارس آذار فرصة سانحة لمهاجمة شرع الله عز وجل كما هو مسطور في كتابه الكريم وفي السنة المشرفة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتحديدا ما تعلق منه بأحوال المرأة المسلمة ، وهي أحوال يرى فيها هؤلاء أنها أكبر مظلمة نسائية في التاريخ حسب زعمهم ، ووفق منطقهم ومنطلقهم العلماني .
ومن أجل النيل من شرع الله عز وجل، فإنهم يخلطون بين العادة والعبادة حين ينطلقون من أنواع من المعاملات المنحرفة التي تعامل بها المرأة، والتي لا تمت بصلة إلى هذا الشرع بأي وجه من الوجوه للنيل منه بأشكال مكشوفة تستهدف مضامين نصوص القرآن الكريم، ونصوص الحديث الشريف على ما بينهما وبين عادات بالية ملفقة إليهما أو محسوبة عليهما من اختلاف بيّن لا ينكره إلا جاحد أو مكابر .
وهكذا أصبحت مظلمة المرأة المسلمة في نظر من يستهويهم الفكر الغربي العلماني محصورة في قضية زيها وفي قضية حظها من أنصبة الميراث ، وفي قضية أحوالها الشخصية زواجا وطلاقا ومعاشرة . ولسوء حظ هؤلاء المنبهرين بالعلمانية الغربية أن هذه الأمور هي من صميم انتمائها العقدي ، ومن صميم تدينها ، فهي تتزيى بزي أمرت به في كتاب ربها عز وجل ،وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كما أنها تحصل على نصيبها من الإرث، وتمر بأحوال شخصية منصوص عليها فيهما، وليس للعادة في ذلك ناقة ولا جمل كما يزعم من يرومون إضفاء الطابع البشري على شرع الله لكي ينسحب عليه ما ينسحب على كل شرع بشري وضعي من تغيير وتبديل بذريعة حتمية سير البشرية دائما نحو الأحسن والأفضل قياسا على تطورها المادي مع ما في هذا القياس من فساد واضح بشهادة الواقع، وهو أصدق شاهد .
وإذا كانت المرأة المسلمة تعيش كباقي نساء العالم في القرية الصغيرة التي يعطرها درهم مسك ، فإنها إذا ما كان لا بد أن تحتفل بيوم الثامن من مارس فعليها أن تجعل من هذه المناسبة فرصة لحمد الله تعالى على ما أسبغ عليها من نعم فيما شرع لها تكريما وصيانة لها مما يبتذل كرامة غيرها في عقائد أخرى فاسدة ، والاعتزاز بذلك ،وتجديد وتمتين الصلة بخالقها جل وعلا عن طريق الارتباط الصحيح والمتين بكتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، في وقت صار فيه المد العلماني المستهتر والمتهتك يغزو الأقطار المسلمة عن طريق عناصر مدسوسة وهي محسوبة على الإسلام لكن ولاءها للعلمانية ، وهو ما جعل وتيرة الدعوات إلى الانحلال والتهتك ترتفع بشكل غير مسبوق مطالبة بما يسمى علاقات جنسية رضائية أومثلية ، وبما يسمى حرية الجسد ، وحرية الإجهاض الناتج عن العلاقات غير الشرعية ... وما إلى ذلك من أحوال نسائية مخالفة لما جاء في شرع الله عز وجل.
وعلى المرأة المسلمة أن تستشعر في مثل هذا اليوم العزة التي اختصها بها رب العزة ، وجعلها لنبيه صلى لله عليه وسلم ، وللمؤمنين مصداقا لقوله تعالى : (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )) ، ومن التمست من النساء العزة في غير هذه العزة أذلها الله عز وجل . وعليها أن تعي أن انتقاد لباسها الشرعي أو محاربته أو التضييق عليها بسببه في بعض المجتمعات العلمانية إنما هو استهداف لعزتها ولكرامتها ، وأن تعي أيضا أن تحريضها على ممارسة علاقة جنسية خارج إطار ما ارتضاه لها الله عز وجل هو بدوره استهداف لكرامتها وعزتها ، وأن تحريضها على رفض ما خصها به خالقها من حقوق مادية ومعنوية هو أيضا مساس بهذه الكرامة والعزة المصونتين في كتابه الكريم وسنة نبيه المشرفة .
وعليها أيضا أن تتنبه إلى مؤامرة تأويل نصوص الكتاب والسنة بخلفية أو بذهنية علمانية والتي هي أصلا تتنكر لكل دين وتحديدا دين الإسلام ، وتطرح نفسها بديلا عنه ، وتستبدل شرعه الإلهي بشرعها الوضعي . وعليها أيضا أن تتنبه إلى ما يمكن أن يخدعها من نسبة ما يلحق بعض النساء من تعنيف بالإسلام مع أنه يصدر عن أزواج لا صلة لهم به إذ يمارسه معظمهم وهم تحت تأثير السكر أو التخدير مع الجهل الفظيع بشرع الله عز وجل . وعليها أيضا ألا تميل مع مقولات متهافتة من قبيل ما يسمى اغتصاب الأزواج لزوجاتهم ، وهو أمر مثير للسخرية ، ووافد على المجتمعات المسلمة التي لم تكن تسمع به من قبل بله تعرفه .
وأخيرا وليس آخرا ألا تكون لها الخيرة إذا ما قضى لها ربها سبحانه وتعالى قضاء هو ورسوله ، وأن تقرعينها به وترضاه لأنه لا يوجد أعدل ولا أنصف ولا خير من قضائه جل في علاه وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم .
أما آخر ما يقال، فهو كل عام والمرأة المسلمة كريمة مصونة بشرع خالقها لا ترضى بغيره بديلا عنه رافعة بذلك رأسها بشموخ ، وهي لا تبالي بما تسوقه عن شرع خالقها أبواق العلمانية الرخيصة والمستأجرة .
وسوم: العدد 971