تحليلاتنا السياسية .. أو قراءاتنا السياسية .. أو رسائلنا السياسية ..!!

وحين نكتب تحليلا سياسيا، أو نقرأ قراءة سياسية، أو نشارك في ورشة عمل سياسية؛ علينا أن نتواضع قليلا، فنكتب لأنفسنا ولمن يلينا...

ولا نكتب مثلا لقادة الروس ولا لقادة الناتو ، ولا لأي رئيس أو صاحب قصر منيف، فمثل هؤلاء لا يروننا ولا يسمعوننا، وكلامنا غالبا ما يسقط على صفحاتنا فلا يصل إليهم...

ولنحاول -أولا - أن نحلل الحدث مهما كان شأنه لنفهمه؛ أسبابا ونتائج وتداعيات، فيما يمس واقعنا نحن وحياتنا نحن وهذه ليست أنانية، وإنما اشتغال بمقتضى الحال.. لسنا صينين لنستغرق في دراسة انعكاس الحرب المذكورة على الصين. فالحرب في أوكرانيا مثلا رفعت بعض أسعار السلع الأساسية في دول جوارنا،السوري وهذا أدى إلى رفعها في حوارينا وأزقتنا، وهذا صعّب الصعب على مواطيننا، وهم في طريقهم إلى رمضان...فماذا نفعل ؟؟؟؟ مجرد مثال!!

لنفهم الحدث، ثم - ثانيا- لنحدد موقفنا منه، مع أو ضد مطلقا، أو بطريقة مشروطة، وماهية الشرط، وعلته، وغايته... ، ثم لنحاول التوافق على ذلك الموقف، كل ذلك بما يخدم مصالحنا العامة الوطنية أو الأممية، ولا يكون فريق منا يدعو: "اللهم انصر المظلومين وأهلك الظالمين"، ويرد عليه آخر متبجحا "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين" أو يطبّل ثالث لبوتين مبشرا: بوتين الطاغية وأقول طاغية ولكنه معاذنا من الغرب المجرم، مستبيح فلسطين، وحامل راية المثلية والسيداو...!! وكل هذا الهرج سائد وما يزال. وعباراتي أنقلها عن "كبار" من يسميهم الناس "المحللون الاستراتيجيون"!! ولكي أخرج من الخلاف، ولا أحرض على نفسي فئاما من الناس، أنا في الأصل ضد هذا الهرج، وضد هذا الاختلاف، وضد هذه العماية وضد هذا الضلال..وهو ضلال بعيد بلا شك..!!

ومهمة المحلل السياسي ثالثا,,

أن يخرج بمقترحات عملية متواضعة على قدرنا...فلا نبني بيوتا من الرمل، ولا قصورا في الهواء, ولا نحلم حلم بائعة الحليب الصغيرة، التي حشرت قطعان البقر والماعز والغنم في جرتها.

 لنتحدث على قدر إمكاناتنا لتوظيف الحدث في خدمة قضايانا الجماعية. أهم شيء أن تكتب لي ما هي أهم الخطوات العملية التي يمكن أن نقدم عليها في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا لدعم الثورة السورية فندعم موقفنا ومستقبلنا فنحفر ثغرة في إطار أفقنا المسدود باتفاق المتحاربين قبل الحرب، فماذا سنصنع بعدها..

الحلم أن مقالي هذا سيغير العالم، وسيقرؤه بايدن أو سيحلله فريق من مستشاري بوتين، أو أنني أصبحت مستشارا للرئيس فلان أو فلان ...ينتج أحيانا عن جرعات مبالغ فيها من النرجسية أو جرعات زائدة من تعاطي الخشخاش ومشتقاته المتكاثرة..

ونعود لنطرح سؤال: ماذا يمكن أن يفعل السوريون لاستغلال حدث الحرب الروسية على أوكرانيا في مصلحة ثورتهم؟؟!!

أولا أحب أن أقول إن الكلام في هذه الإطار لا ينشر على الإعلام. ولكنني مضطرا، مضطرٌ أن أقول...

لا بد من إحداث واقع جديد على الأرض السورية..ولو بحجم عود ثقاب. واقع جديد يخرج المشهد من دوامات الاستمرار العبثية. قوة جديدة غير محسوبة تدخل الخلل على معادلة التوازن الشئز التي فرضها من تعلمون..

وقد يحصل ذلك - وهذا مجرد مثل - بتشكيل نواة فصيل جديد غير متمركز، وغير مرئي، ولا يظهر له عنوان للتباهي. غير أنه مقاومة وطنية بلا أجندة لما بعد الحكم الوطني، يعلن أنه ضد احتلال مجرم قاتل، ويرجم الوجود الروسي، ولو بحصيات ناعمة كتلك التي نرمي بها عند الجمار...وعلى القدر الوسع، وبأقل الكلف...

في كل جدليات العالم ومن أعماق التاريخ كل احتلال يستدعي وجود مقاومة. مع الأسف لم يحصل هذا في سورية المعاصرة. فلماذا ؟ وكيف ؟ وسورية ليست نونا ساكنة يستطاب عندها الإدغام والإخفاء. وهذا رد على كل من يمكن أن يردّ عليّ... مشروع مقاومة الاحتلال كان يجب أن يكون مستقلا ومستعليا رؤية وموقفا وممارسة..

وهذه الرسالة - رسالة المقاومة الوطنية للمحتل- أقوى من سبع مائة قراءة، في كل واحد منها سبع مائة ورقة عمل، في كل ورقة عمل سبع مائة تخيل وتصور وإغراق في الأفق البعيد..

قضايا النفط والغاز وارتفاع أسعار الأسهم في ويل ستريت ليست قضايانا...

وفروا على أنفسكم، وارحمونا ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 971