ريادة المسلمين وعالمية القبلة من خلال الإسراء والمعراج

أوّلا: ريادة المسلمين

من بين العبر المتعلّة بالإسراء والمعراج، والتي استطاع أن يقف عليها صاحب الأسطر، بالإضافة إلى مقالاته السّابقة حول الموضوع هي:

إمامة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بأسيادنا الأنبياء والرسل، في معجزة الإسراء والمعراج، تعني فضله على أسيادنا الأنبياء والرسل، وفضل أمته، وأنّ لها الريادة، وعالمية الرسالة والإسلام.

ضاقت بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الجغرافية القريبة المتمثّلة في موطنه الأصلي مكة، وفي الجغرافية المجاورة المتمثّلة في الطائف. فجاء الإسراء والمعراج لينقله الله تعالى من الجغرافيا القريبة، والصغيرة، والضيّقة إلى جغرافية لاتعرف حدّا، وبعيدة، وشاسعة. وهي جغرافية تسعى إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتطلب ودّه، وترجو رضاه، وتدعو له، وتدافع عنه، وتصدّ عنه الأعداء.

إذن من تمسّك بربّ العالمين لم تضرّه الجغرافية الصغيرة المعادية الضيّقة، ونال جغرافية السّماء. فهو من علو واتّساع وتأييد إلى علو ومساعدة وتأييد.

جاء الإسراء والمعراج عقب وفاة عمّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ووفاة سيّدتنا أمّنا خديجة رضوان الله عليها. مايعني أثر الفرد في بناء الأمّة والحضارة حين يكون الفرد أمّة.

جاء الإسراء والمعراج إثر وفاة سيّدتنا أمّنا خديجة. مايعني أنّ المرأة حين تكون عظيمة تساهم -وهي المرأة- في حماية وبناء الأمّة والحضارة. ويكفي القول أنّ وفاة سيّدتنا أمّنا خديجة -وهي المرأة- ترك أثرا بالغا على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو المؤيّد بالوحي، وفي حياة الأمّة النّاشئة.

قرأت في صغري، أنّ معجزة شقّ صدر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لإعداده لتلقي هول الوحي، الذي لايستطيع أن يتلقاه بقدرات بشرية عادية. فكانت حادثة شقّ الصدر، غير عادية، وتتعدى قدرات البشر. واليوم أضيف: معجزة الإسراء والمعراج، التي فتحت فيها الأرض والسّموات لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كانت بداية فتح مكة، والانتصارات، والفتوحات الإسلامية. ويكفي أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يهزم في معركة واحدة من المعارك التي خاضها، بما فيها غزوة أحد.

قريش لم تعرف قدر ابنها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. فحاربته، وشتمته، وحاصرته، وهو الذي نال أعظم جائزة لم ينلها أحد ممّن قبله ولا بعده، وهي جائزة الإسراء والمعراج. فحرمت فضله، ومنزلته، وجائزته، فهاجر عند من عرفوا قدره ومكانته، وقيمة الجوائز التي تلقاها.

الدول، والمجتمعات، والحضارات العظمى، تعرف قدر نجاح أبنائها، وتكرّم الفائز، وتقرّب الأوّل، وتلك من مظاهر القوّة والعظمة والحضارة.

ثانيا: عالمية القبلة

تحويل القبلة، معناه انتقال العالمية إلى المسلمين، وقد كانت لليهود من قبل. وفلاح المجتمع، والدولة، والحضارة بالتوجّه نحو الإسلام.

حاولت اليهود تأميم الإسلام، بزعم أنّها الأفضل، لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كان يتّجه نحو قبلتهم، وفشلت في ذلك فشلا ذريعا.

حاولت قريش تأميم الإسلام، بزعم أنّها الأفضل، لأنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عاد واتّجه نحو مكّة، وهي -في نظرهم-، قبلة قريش.

تكمن عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في كونه خاتم الأنبياء والمرسلين، أي يتجاوز جغرافية مكة حيث أبائه وأجداده وقبيلته وعشيرته، التي ولد فيها. ويتجاوز جغرافية المدينة، التي هاجر إليها، حيث أنصاره، ودولته.

القبلة ليست حكرا لقريش، ولا ساكن مكة، ولا المتحكم فيها. إنّما القبلة عالمية، وعالميتها بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والقبلة ليست لليهود، فلم تعد لهم العالمية، -ولن تكون-، بعد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

ومن عجائب ماوقفت عليه، وأنا أخطّ هذه الأسطر، أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لم يستقرّ في مكة، بعد فتح مكة، وقد أمست الكعبة قبلة المسلمين. مايدل على أنّ القبلة عالمية، وليست حكرا لمنطقة جغرافية، ولا لأصحاب المنطقة.

القبلة ليست عربية، ولا يهودية، بل عالمية وإلى يوم الدين.

وسوم: العدد 973